إذا أراد أهل السلطة المرتبكون والمكابرون وضع أرجلهم على الأرض مجدداً فليفهموا ان ما يجري ثورة شعب وليس شغباً يمكن انهاؤه ليعاودوا ممارسة تحكّمهم بمقدرات البلاد.
وإذ يبدو ان الحكومة ركبت رأسها حتى الآن مفضّلة عدم الاستقالة أو التعديل الوزاري الفعلي، فلا بد من ايضاحات لئلا يؤول هذا الاتجاه الأرعن الى ما لا تحمد عقباه.
فليدرك هؤلاء ان معظمهم متهم مباشرة أو مداورة بسوء الادارة والفشل وبذمته المالية. لقد نالوا فرصتهم وصبرنا عليهم طويلاً، فما حصدنا إلا الخيبة ولم نشهد إلا تحوُّل موجودات الدولة والمواطنين إلى أسلاب. صدقيتهم في ملاحقة الفاسدين مفقودة اذاً لكونهم سباقين في “لائحة الفساد”.
ما يتوجب على أهل السلطة استيعابه هو ان استخدام القوة له حدود الا لدى الراغبين في ممارسة الاجرام، وان توريط الجيش في قمع الناس بحجة فتح الطرقات الرئيسة ليس في مصلحة المؤسسة العسكرية وصورتها الزاهية لدى الثوار وأهل الحراك، ولا في مصلحة السلطة لو استخلصت العبر من كل تجارب القمع التي مارستها الأنظمة الديكتاتورية او الديموكتاتورية. فاللبنانيون يدافعون عن حقهم البديهي في التعبير ولن يفتّ عضدهم محاولات التفرقة والتهويل. ثم ان الجيش في لبنان هو جيش الناس وجيش الدولة ولن يكون جيش ما صار نظاماً، لأننا عملياً وبعد نزع الثقة من أهل الحكم لم تعد لدينا سلطة شرعية بالمعنى المتعارف عليه في الديموقراطيات. ولو كانت كذلك لاستخدمت آليات تداول السلطة فأعفت نفسها وأراحت الناس منها واستقالت داعية الى انتخابات مبكرة.
بديهي ان يطلب الحراك ثمناً سياسياً مباشراً للبدء بحوار مع السلطة. فهو لا يفترش الشارع على طريقة “الفن للفن”، بل بهدف الوصول الى نتائج تحقق أهدافه وتحول دون الفوضى أو المجهول. وأول الغيث تقديم سعد الحريري استقالة هذه الحكومة الساقطة.
على “القوى السياسية” الحاكمة فهم ان الحراك الشعبي سلمي ومطلبي، والوحدة الوطنية الحقيقية الواضحة فيه لحظة تاريخية يجب استثمارها بسرعة للتأسيس نحو العبور الى الدولة المدنية اللاطائفية، لذلك فإنّ عنادها في رفض التغيير يجعلها مسؤولة عن إضاعة هذه الفرصة واعادتنا الى المربع الأول في الفرز الطائفي والمذهبي، ما قد يغيّر أولويات الحراك ويفتح الباب للتدخلات.
من هنا دعوة صادقة للجميع.
للثورة، كي تبقى سلمية وثابتة ولا تفقد الزخم تحت أي اعتبار لأنها رائعة واستثنائية في تاريخ لبنان.
وللسلطة، كي تراجع حساباتها وتعترف بخسارتها ووجوب ان تدفع الثمن ليس بالرموز الفاقعة فحسب، بل في النهج والسلوك.
وللجيش، كي يبقى ميزاناً قادراً على الحفاظ على الاستقرار وعلى صورته وعلى رهان اللبنانيين عليه كاحتياط استراتيجي لوحدتهم وديموقراطيتهم وحريتهم، فلا ينزلق الى أي اختبار عنفي لا يريده له سوى الأشرار.