تدهور المبيعات بنسبة 70% والموديل الجديد “عالطلب”
إلتحق لبنان بقائمة البلدان التي تجتاحها أزمة “تدهور قطاع السيارات”، إذ شهد الطلب على السيارات الجديدة والمستعملة في السوق اللبناني في خلال الأشهر الماضية، تراجعاً حاداً وسط تباطؤ اقتصادي بسبب الوباء والظروف المالية والمصرفية والنقدية. وفي ظلّ تقاعس الدولة عن تقديم الحلول الجذرية للمسببات، أظهر مسح لإجمالي مبيعات السيارات المسجّلة انخفاضاً كبيراً خلال النصف الأول من العام الحالي مع تسجيل 3998 سيارة في مقابل 13176 سيارة خلال الفترة نفسها من العام الماضي، أي بتراجع نسبته 70%.
“الأبواب مغلقة والهموم مفرّقة”، بهذه الكلمات وصف نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة وليد فرنسيس لـ”نداء الوطن” وضع القطاع، إذ إن غالبية من يشترون من المعارض هم ممن يريدون “تهريب أموالهم من المصرف واستبدالها بسيارة”. أما رئيس جمعية مستوردي السيارات الجديدة في لبنان ورئيس مجلس إدارة شركة إيمبكس سمير حمصي، فاختار القول: “ستشهد شوارع لبنان عودة لظاهرة ركوب الخيل أو الحمير، وبسبب توقف الإستيراد بشكل شبه كلي لن نرى سيارة موديل سنة 2021 إلا عبر طلب خاص وفردي”. وفي ظل كل هذا التشاؤم، ما هي أرقام المبيعات التي تحققت في الفصل الأول من السنة؟
الأرقام تتكلّم
في التفاصيل، أظهر تقرير مبيعات السيارات المسجلة، أنه في الشهر الأول من سنة 2020، إنخفضت مبيعات سيارات الركاب بنسبة 46.7% بالمقارنة مع الشهر ذاته من سنة 2019. فقد تمّ تسجيل 979 سيارة في كانون الثاني مقابل 1838 لنفس الشهر في السنة الفائتة، متقلصة عن انخفاض بنسبة 52.9% في شهر شباط مع تسجيل 897 سيارة مقابل 1906 سيارات سنة 2019، لتنخفض عمليات تسجيل السيارات ومبيعها في آذار مع مبيع 468 سيارة مقابل 2190 سيارة للفترة نفسها من العام الماضي، أي بتغيير نسبته 78.6% في الوقت الذي ألقت فيه إجراءات العزل العام الهادفة لوقف انتشار فيروس كورونا بثقلها على القطاع. وبعدها تسجيل 188 سيارة في نيسان مقابل 2168 للسنة الماضية وبتغيير نسبته 91.3%، وهو الأعلى بين الأشهر الستة الأولى من السنة الحالية.
ومع استئناف العمل في صالات عرض السيارات في أيار زادت المبيعات بنسبة طفيفة فقد تمّ تسجيل 651 سيارة مقابل 2458 سيارة لنفس الشهر من سنة 2019 أي بتغيير نسبته 73.5%. ولم يستطع مستوردو السيارات أو تجار السيارات المستعملة من تسجيل أداء أفضل في حزيران، على الرغم من دخولهم في مرحلة معاودة النشاط، إذ وبحسب السيارات المسجلة في حزيران فقد باعوا 815 سيارة فقط مقابل 2616 لنفس الشهر من السنة الماضية وبتغيير نسبته 68.8%.
ووفقاً لتقديرات أولية صادرة عن جمعية مستوردي السيارات في لبنان أعطيت لـ”نداء الوطن” كان القطاع يبيع سنوياً بين الـ30 إلى الـ32 ألف سيارة سنوياً، ما كان يدر لخزينة الدولة رسوماً جمركية عالية بلغت نحو 365 مليون دولار سنة 2018 والتي تراجعت إلى 178 مليوناً العام 2019 وإلى نحو 33 مليوناً في 2020 حتى الآن أي بتراجع نسبته 81%، كما تم تسجيل تراجع هستيري لرسوم الميكانيك التي تستوفيها وزارة الداخلية. غير أن محللين كانوا يتوقعون تراجعاً أكثر حدة في ضوء تضرر القطاع ككل بشدة، جراء القيود المصرفية المفاجئة والتداعيات الإقتصادية الناتجة عنها وعن أزمة فيروس كورونا.
سيارات 2021؟… إِنْسَ
يأتي هذا التراجع المستمر في المبيعات والتسجيلات في ظل حكومات كانت ولا تزال تعتمد أسلوب “شراء الوقت” وتأجيل الأزمات، والتي تضع شركات مستوردي السيارات الجديدة ومؤسسات بيع السيارات المستعملة أمام مخاطر تجارية ضخمة، تهدد بإقفالها بشكل نهائي مع نهاية العام وصرف أكبر عدد ممكن من الموظفين العاملين في هذا القطاع والمقدر عددهم بنحو 10 آلاف موظف وعامل صيانة.
“حتى الساعة لم يواجه العاملون في قطاع السيارات أزمة تسريح رغم اقتصار النشاط حالياً على خدمة ما بعد البيع في أغلب شركات المستوردين، إلا أن تحقيق هذا السيناريو بات قريباً إذ ارتبط الطلب في لبنان على السيارات في الأعوام الأخيرة، بالقروض التي توفرها المصارف ومؤسسات الائتمان للأسر ذات الإيرادات المتوسطة”، بحسب رئيس مجلس إدارة شركة إيمبكس سمير حمصي، ويتابع لـ”نداء الوطن” شارحاً: “إلا أن الظروف الناجمة عن تداعيات فيروس كورونا، وانعدام القدرة الشرائية لدى المواطنين جراء ارتفاع سعر صرف الدولار المتواصل، وتوقف المصارف عن إعطاء القروض بشكل كلي وتزايد نسب البطالة، أفضت إلى هبوط الطلب على السيارات وبالتالي معاناة الشركات من مشاكل مالية تعيقها عن الإستيراد أهمها: تعذر فتح الإعتمادات بالتزامن مع تضاعف تكاليف الشحن”.
وعليه، وخلافاً للسنوات السابقة، عمد أغلب وكلاء السيارات في لبنان إلى بيع أغلب سيارات العام 2020 إلى الخارج لتردي القدرة الشرائية للمواطنين، عدا من منهم دفع سعر السيارة “بزيادة 30% على ثمنها الأساسي” عبر شيك مصرفي، ما ساعد الوكلاء على إقفال ديونهم المتراكمة لدى المصارف.
كما لم يتم استقدام أي سيارة ذات موديل حديث 2021 ووضعها في المخازن، أولاً لأن الشركات المصنعة تفهمت وضع لبنان المالي حيث لا قروض أو فتح اعتمادات ولا “كاش”، ولم تجبر الوكلاء بشراء عدد معين من السيارات على غرار السنوات السابقة. وبالتالي، وبحسب ما أجمع أهم وكلاء السيارات في مقابلات أجرتها “نداء الوطن” أنه لن نرى في لبنان إلا القليل من السيارات الأكثر حداثة. وأنه لن يتم تأمين سيارات موديل 2021 إلا بعد 4 أشهر من طلبها بشكل فردي وخاص وبشرط توفر الدولار “الكاش” عند الزبون، كي يستطيع الوكيل تحويل الأموال والدفع للشركات المصنعة أياً كانت في الخارج.
مشاكل المواطن
ويرجع مرتادو أسواق السيارات المستعملة أو الجديدة الركود الذي ضرب الأسواق إلى الحالة الصحية والاقتصادية التي يمر بها لبنان هذه السنة، والتي جعلت اللبنانيين يفضلون استعمال ما يستطيعون الحصول عليه من أموالهم من المصارف في تأمين مستلزمات العيش اليومية من مأكل ومشرب، أو بشراء عقارات لا يؤثر عليها مرور الزمن عوض المغامرة بشراء سيارة قد يتهاوى سعرها بين لحظة وأخرى، وقد تحتاج الى صيانة بين الحين والآخر.
وتقول هالة رمضان، وهي مواطنة كانت تنوي شراء سيارة جديدة قبل ظهور الأزمة، ان “المواطنين يخشون وضع أموالهم في سيارة، أما سوق بيع السيارات المستعملة فلا يخضع لمعايير واحدة، وكل صاحب معرض يطلب سعراً يتوافق مع “مزاجه” وتوقعاته لسعر الصرف وتقلباته في السوق السوداء، حيث لا رقابة جدية من الجهات المعنية، فأولوية وزارة الإقتصاد مثلاً مراقبة أسعار السلع الغذائية، والأكثر ضرورة للمواطن، كما يغيب سعر السيارة المثبت على زجاجها، لأن عملية البيع تتعلق بالشاري وإمكاناته وما يحمله من عملة طازجة”. وأكملت رمضان: “من يملك مبلغاً نقدياً أو يرسل له أقاربه FRESH MONEY من الخارج يفضل الإحتفاظ به، لإنفاقه وقت الحاجة على السلع والخدمات الضرورية، بخاصة مع تردي الثقة بالمصارف، ولا يعقل أن يصرفه لابتياع سيارة أو إنفاقه في أي سلعة لا تباع بسرعة مثل الذهب مثلاً، فهناك تخوف من تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية جراء تواصل تهاوي سعر الصرف مقابل الدولار واستمرار تفشي كورونا، كما أن العديد من اللبنانيين باتوا يخافون أيضاً من فقدان وظائفهم ومصدر عيشهم”.
أما كريستيان خليل، فقالت لـ”نداء الوطن” أنه، برأيها، “انتهى زمن شراء السيارات الجديدة أو حتى استئجار السيارات أو شراء المستعمل”. وترى خليل أن المشكلة الأهم التي تواجه المواطنين في مكان آخر كلياً وهي “ارتفاع كلفة تصليح السيارات، التي باتت تحتاج إلى قرض مصرفي، بخاصة في حال كانت تتم عملية التصليح عند الوكيل”. وانطلاقاً من تجربتها الشخصية تعطلت بطارية سيارتها فاضطرت إلى شراء واحدة جديدة كانت تكلفها 150 ألف ليرة سابقاً ما كان يساوي 100 دولار، لكنها اضطرت أن تغيرها الآن بـ900 ألف ليرة لبنانية، رغم فقدان راتبها 70% من قدرته الشرائية”، وتابعت: “طلب مني الميكانيكي تغيير زيت السيارة لكنني فضلت التوقف عن استعمال السيارة والإعتماد على المواصلات العامة بانتظار الشهر المقبل، لأنه كان يكلف 40 ألف ليرة لكنه سيكلفني الآن 200 ألف ليرة على الأقل”.
وتتابع خليل: “هذا الواقع قد انسحب على الكاراجات أيضاً، فالميكانيكي الذي يصلح لي السيارة يعاني بدوره أيضاً من تدهور سعر الصرف وبات الوضع يهدد استمرارية عمله، بخاصة أن قطع السيارات غير مشمولة في الدعم الذي يؤمنه مصرف لبنان للمواد الأساسية بالتعاون مع وزارة الإقتصاد كالمحروقات والدواء والطحين والسلة الغذائية، كما أن معظم القطع والبضائع المرتبطة بهذا القطاع مستوردة من الخارج بالدولار، إلا ما هو مستعمل منها وهو الذي يقبل عليه أكثرية المواطنين. وإذا ما استمر الوضع على هذا المنوال فقد نصل إلى انقطاع في القطع المستعملة أيضاً”.