أمل اللبنانيون بأكثريتهم الساحقة في أن تكون السنة الجديدة أفضل عليهم وعلى بلدهم من السنة السابقة غير المأسوف عليها، وأن يشهدوا في الأسابيع الأولى منها بزوغ فجر جديد يتمثّل أولاً بانتخاب رئيس للجمهورية، يُجسّد وحدتهم ويُبعد عنهم شرور الأزمات الناجمة عن استمرار الشغور في هذا الموقع وما ترتّب على ذلك من تداعيات على المستوى الحكومي المشلولة وعلى مستوى مجلس النواب العاطل عن تشريع القوانين التي من شأنها أن تحرّك عجلة الدولة وتواكب عمل السلطة الاجرائية وتساؤلها في حال التقصير وعلى المستوى الاقتصادي الذي وصل كما تُجمع تقارير الخبراء إلى أسوأ ما يمكن أن يمرّ به أي بلد آخر.
وبنى كثيرون منهم هذه الآمال على بعض الإيجابيات الدولية التي ظهرت أواخر السنة المنصرمة بالنسبة إلى الأزمات الملتهبة التي تعيشها المنطقة من عدّة سنوات، ولا سيما منها الأزمة السورية حيث شهدت الساحة الدولية حركة ناشطة من أجل التوصّل إلى تسوية سياسة توقف حمّام الدم المتدفق منذ قرابة الخمس سنوات في هذا البلد، وتُنعش آمال الشعب السوري بعودة السلام وقيام نظام ديمقراطي لا مجال فيه لحكم الفرد الواحد الأحد كما هو الحال الآن، غير أن التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة مع بداية السنة الجديدة جعلت الآمال التي حلم بها هؤلاء اللبنانيين تتراجع، لا بل تتضاءل إلى درجة بدأ البعض منهم يترحّم على السنة الفائتة والتي رغم بشاعتها، وكل مآثرها السيّئة، تركت الباب مفتوحاً لدخول بصيص أمل من خلال التسوية المقترحة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأنه اعتبر أن هذه التطورات الإقليمية قضت على التسوية المقترحة ووضعت البلد كلّه على المفرق الخطر بانتظار ما ستؤول إليه هذه التطورات المتسارعة وغير المحسوبة في نظر الكثيرين، خصوصاً وأن لبنان ليس معزولاً عنها إذا لم يكن في قلبها وفي صميمها على حدّ تعبير أحد كبار السياسيين الذين يتابعون عن كثب ما يحصل من تطورات على الصعيدين الإقليمي والدولي وانعكاساتها سلباً وإيجاباً على الأوضاع اللبنانية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية كما هو واقع الحال الذي يعيشه اللبنانيون منذ انفجار الثورات العربية وتحديداً الثورة السورية.
اللبنانيون يُدركون كغيرهم، أن الأزمات الداخلية ومنها أزمة الاستحقاق الرئاسي هي نتيجة للأزمات التي تعيشها المنطقة بقدر ما هي نتيجة للصراع الدائر فيها وفي العالم لتقاسم النفوذ فيها بشكله الاستعماري الجديد، وتأتي التطورات الأخيرة تعكس واقعاً سوداوياً على لبنان وعلى اللبنانيين، وتبدّد كل الآمال التي علّقت من البعض على أن بعضاً من هذه التطورات تصبّ في مصلحة لبنان وإخراجه من هذه الدوامة، ولا سيما بعد الكلام الذي تنامى مؤخراً عن تقارب دولي إقليمي لدعم أي مشروع يُخرج هذا البلد من حلبة الصراع الدائر في المنطقة ولا سيما منها التسوية المقترحة لانتخاب رئيس جمهورية يُشكّل الاتفاق على انتخابه مدخلاً واسعاً للوصول إلى تفاهم على إعادة ترميم الدولة ونزع الشظايا من جسدها المنهك قبل فوات الأوان.
وفي خضمّ تطورات المنطقة بات مطلوباً أكثر من أي وقت مضى صحوة ضمير عند كل الفرقاء السياسيين لإعادة النظر في حساباتهم الخاطئة ووقف الرهانات على الخارج، قبل فوات الأوان، حتى لا تضيع الفرصة ويضيع معها لبنان.