IMLebanon

بديهيّات..

المعادلة حمّالة أوجه، لكن الصحّ فيها أكثر من الغلط: اتفاق سيىء خير من خلاف جيّد! وفي النقيضين، مجالات مفتوحة للأخذ والردّ والجدال والصراخ ونتف الشَّعر وهريان حبال الصوت!

وشروط الصحّ والغلط في المجال الأهلي، الوطني الداخلي، غيرها في المجالات الخارجية ذات الصلة بالكيان والقومية والمصالح العليا.. وشقيقتها السفلى: التنازل للوصول الى حل وسط مع عدوّ خارجي أو مع خصم مرحلي عارض، يعني أحياناً استسلاماً لا تُحمد تبعاته الشاملة. وهذه لا توفّر في نهاية المطاف أو بداياته، الموصوم بالتسبّب بتلك الخطيئة بداية، فيدفع ثمنها وينزوي! أما التنازل بين «الأهل»! فهو مكرمة حميدة، لا شكّ في مقوّماتها ونُبلها وسعة الخير فيها! وتداعيات ذلك فورية وسريعة: منعشة وولاّدة آمال. وكثرة مدّعي الأبوّة فيها مناقضة لليتم الذي يُظلِّل الخسارات والانتكاسات، والمواجهات المريرة وغير المحسوبة النتائج!

على أنّ الارتباك (وأي كلمة؟!) يتأتى من بروز معادلة هجينة، تخلط الداخل بالخارج.. أي أن يستعير بعض السعاة الطامحين الجامحين المتعجلين محلياً، عدّة المواجهة الخارجية لينزلها في موضع «الأهل»! وأن يروح في الغلو الى استخدام تكتيكات تشي بالقطع في غير موضعه! وأن يكبّر الحجر في بركة ضحلة، ولا تحتمل سوى الحصى والبحص! وأن يعتمد مفردات صادحة في موضع طنين خافت! أو أن يستنجد باليقينيات والانتماءات في حالة شديدة الاختلاط. أو أن يبدأ «مشواره» من آخر الطريق وليس من أوله! وأن يضيّع البوصلة ويروح في دوخة لا توصله الى هدفه المنشود وتنسيه مكانه الأصلي!

ومع ذلك، وبسببه، فإن «الاتفاق السيىء» يصبح جيداً بالمبدأ! من دون إكمال المقارنة مع النقيض الخلافي أياً يكن توصيفه، أو مقوّمات الجودة فيه.

.. والاستطراد حتمي: أي اتفاق، وكل اتفاق، محلي داخلي وطني أهلي في لبنان يبقى أفضل بنحو تسعمئة مليون مرة، من أي خلاف! والتجارب الحديثة (والقديمة!) ترفد هذا الاستنتاج العام، بكل صدقية ممكنة!

الأوهام والأحلام، الذاتية طائفياً ومذهبياً (بداية ونهاية) جُرِّبت في لبنان وانتكست بأهلها وبغيرِهم! ومشاريع الفصل والقطع، والتمايز وأضرابه وأطنابه، خرّت مضرّجة بدماء أصحابها وعمران أهلها! والأمر مُشاع، وطاول الكل وليس الجزء. والعموم وليس الخواص. وكل الجهات وليس صنفاً واحداً محدّداً.. ومكابر قصير النظر ومُتذاكٍ، مَن ينكر ويُعيد التجربة! ومن يسكر بخمرة اللحظة وينسى الصبح التالي ودوران الزمن! ومن يفترض أن قوّته، العسكريّة أو السياسيّة (أو العدَدَية!) أقوى من حقائق ووقائع الاجتماع الكياني اللبناني! أو «أمتن» من طلاسمه وعُقَدِه! أو أكثر ديمومة من عِلَلهِ العصيّة!

مكامن ضعف هذا الاجتماع هي ذاتها أسباب قوّته. وهي ذاتها لبّ الاستعصاء المكين الذي صَدَم (ومنع) في كل مرّة، مَن حاول تعديل «طبائع» الأمور وفرض «حاله» على «غيره» من خلال تلبيس مشروعه الطائفي أو المذهبي، ثوباً وطنياً جامعاً! ضمور الروابط العامة أمام تلك الذاتية لم يسمح بإنتاج دولة مكتملة وتامّة وفعليّة، لكنّه ذاته مَن سمح لتلك «الدولة النسبيّة» أن تبقى ولا تنكسر تماماً! ومنع التفرّد الشرقي الذي لا يعني إلا ديكتاتورية ما من التمكن في لبنان! وهو ذاته، بطبيعة الحال، من يضع الاستعصاء سدّاً في وجه هوَس زعاماتي شديد الذاتية والخصوصيّة (والمراهقة!).

أي إتفاق وطني عام في «بلد نسبي»، هو إتفاق جيّد مبدئياً.. والباقي لا يُعتدّ به!