يتحدثون عن انفراجات قريبة وان الحكومة لم تعد في ضمير الغيب، وان مجرد توجيه دعوة رئاسية لزعيم تيار المردة الى بعبدا، تنتهي مشكلة تأليف الحكومة بمسحة رسول.
لكن ما الذي يضمن ان تكون عقدة وزارة المردة خاتمة الأثافي، في ظلّ ما تتمخص عنه جبال الأزمة الاقليمية من فئران قارضة للحلول في لبنان؟
فالعراقيل المتوالدة ما زالت أقوى، من الحلول المتاحة، البعض يرد ذلك الى عوامل خارجة عن الارادة الذاتية، والبعض الآخر يعيده الى زيادة المرونة والحلم لدى الرئيس المكلِّف والرئيس المكلَّف، تجاه العرقلات والمعرقلين، وهؤلاء المنتقدين من دعاة حكومة الأمر الواقع، أو حكومة بمن حضر، وفي اعتقادهم ان ضرب الحديد وهو حامٍ، يوفّر الكثير من التعب، من دون احتساب لتطاير الشرر، ولا للتداخلات السياسية المتغيّرة، مع كل طلعة للسوخوي والميغ في أجواء الكوما الأميركية المفتوحة.
الرهان الآن على دعوة النائب فرنجيه الى بعبدا، أو زيارة الوزير جبران باسيل الى بنشعي، لكن ماذا بعد ذلك؟ الجهات المتابعة ترصد حركة غير عادية على الطرف الآخر من المسرح الحكومي، وتشتم رائحة وجبة علقم جديدة في مطابخ الاشكالات المعرقلة للمسيرة الحكومية، ضمن مقاديرها الأساسية، البيان الوزاري، الذي بدأت المطالبة منذ الآن بتلقيحه ضد خطاب القسم للرئيس عون، انطلاقا من شطب نظرية النأي بالنفس، وإلغاء مبدأ تحييد لبنان عن صراعات المنطقة، وتحرير ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة من التحفظات المتنامية، ما يوحي بأن هذه الحكومة المعتبرة انتقالية، بين مجلس نيابي قائم ومجلس نيابي آخر يفترض ان يقوم، ستبدأ متصرّفة أعمال وتنتهي مصرّفة للأعمال.
وتقول القناة البرتقالية الناطقة بلسان العهد ان هناك من يحاول منع الرئيس الجديد من امتلاك مفاتيح بعبدا… وانه منذ انتخاب عون، جند كورس الغربان وجوقة الضفاضع للنعيق والنقيق، لكن القافلة تسير…
ومع ذلك الخشية دائما من ان تكون العقدة حقيبة وزارية، والضحية قانون الانتخابات المطلوب اقراره قبل أيار الانتخابي الموعود؟
وكذلك ان يفضي تطيير الانتخابات الى تكريس سلطات، باتت بلا حدود ولا سدود، تفرض السوابق لتتكّئ عليها وتوجد الأعراف لتستمد منها المشروعية.
يقولون ان الطائف حوّل صلاحيات الرئاسة الى مجلس الوزراء مجتمعا، وبالتالي جعل من رئيس الحكومة فرعون زمانه، لكن بعد ربع قرن من الاختبارات والتجارب مع الطائف، في زمن الوصاية بالأصالة، كما في زمن الوصاية بالوكالة، بقي رئيس الحكومة مجرد منظم للتوزيعة الطائفية ثم أخيرا المذهبية، وبات حكما، أكثر منه سيدا متحكما…
المطروح اليوم حكومة، مهما تعددت أوصافها، تبقى حكومة انتقالية، لمهمة اجراء الانتخابات النيابية، بحسب القانون المتوفر، ولاعداد موازنة قادرة على الاستجابة لمضامين خطاب القسم الرئاسي، من حيث اعادة القواعد المحاسبية الى خزائن الدولة والحد من لحس مبرد الديون والانفاق العشوائي الخارج عن كل مألوف وبالتالي ضبط ومحاصرة الفساد المالي، وسدّ منابعه السياسية والادارية، المهددة لمفهوم الدولة، والتي غدت بحاجة الى اعادة تأسيس على قواعد أخلاقية ووطنية افتقدناها طويلا، مع وضع حدّ لكل أشكال الاسترهان للخارج، وللمزاوجة القسرية، مع الردائف السياسية وغير السياسية، بغية وقف الهدم المتمادي للبنيان والوجدان، واستنهاض مؤسسات الدولة والمجتمع والديمقراطية الحقيقية، التي كان لبنان يباهي بها شقيقاته العربيات الغارق بعضها في مستنقع الفوضى الأميركية الخلاّقة، والمكتفي بعضها الآخر، بأشباه الديمقراطية، تجنّبا للتحول القسري الى مستوعب اضافي، لارتدادات الصراعات الهوجاء المحيطة بها، من كل حدب وصوب.