Site icon IMLebanon

موازين القوى والمصالح  ضد الحل السياسي الجيّد

جنيف السوري هو حاليا مسرح روسي بامتياز. ولا يبدّل في الأمر حجم المساحة المتروكة لأدوار لاعبين اقليميين حاضرين في الحرب. فالشريك الأميركي مشغول بمراجعة المواقف. وهو بات محكوما بالتشدّد بعدما اصطدمت بالواقع رهانات الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين على نوع من التكامل. واللاعب الروسي يدير الحرب والهدنة والسعي للتسوية، بحيث يدعم وفد النظام ويتدخل في تمثيل المعارضة الى حدّ المطالبة بزحام أكبر لوفود المعارضين. وهو يشرف من الكواليس على أداء الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا.

لكن المسرحية ناقصة. فلا نصّ لها، وان كان لكل وفد نصّه الخاص وتفسيره لنصوص بيان جنيف – ١ والقرارات الدولية وبيانات فيينا. ولا شيء سوى العناوين. وهي عناوين تتبدّل: من تأليف هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة الى الانتقال السياسي، ثم الى الحوكمة واقامة حكومة غير طائفية واعداد دستور واجراء انتخابات. أما المشهد، فانه جامد، الى حدّ ان أي تحرّك في المضمون أو حتى في المسائل الاجرائية يعيد الأمور الى نقطة الصفر. وأما اللعبة، فانها مختصرة، تبعا للمواقف، بالربط أو بالفصل بين مستقبل سوريا ومستقبل الرئيس بشار الأسد.

ذلك ان الموقف الثابت للمعارضة في التفاوض، ومعها داعمون اقليميا ودوليا، هو لا مكان للأسد في مستقبل سوريا. والموقف الثابت للنظام، ومعه الحليف الايراني والحليف الروسي، هو انه لا مستقبل لسوريا من دون مكان الأسد. ولا أحد يعرف كيف تتبلور الصورة في النهاية. والشيء الواضح والمضمون هو مستقبل دي ميستورا المرشحة مهمته لأن تطول بمقدار ما تستمر الحرب وتتعثر محاولات التسوية.

مفهوم ان الرئيس فلاديمير بوتين صار مقتنعا بأن الطريق الى القضاء على داعش يمرّ بالتسوية السياسية. فهو يقول أمام ضباط البحرية الذين شاركوا في حرب سوريا انه كلما تمّ الاسراع في التوصل الى حلّ سياسي ازدادت فرص المجتمع الدولي لانهاء طاعون الارهاب على الأرض السورية. لكن سيّد الكرملين يعرف أكثر من سواه ان الحلّ السياسي الجيّد ليس ناضجا بعد – لا بالنسبة الى موازين القوى على الأرض. ولا بالنسبة الى موازين المصالح الداخلية والخارجية.

واذا كانت ساعة التسوية السياسية تدق في موسكو، فانها صامتة في عواصم المنطقة المؤثرة، ومتقدمة على التوقيت الأميركي. واذا كان حضور الشريك الأميركي منذ بدأت سلسلة جنيف متعبا لموسكو وحلفائها، فان غيابه متعب أكثر.

وعلى صورة الحرب وتعدّد أطرافها تأتي التسوية، وان لم تكن الحرب من أجل التسوية.