إذا كان من المسلّم به لدى الخصوم والحلفاء على حدّ سواء أنّ إطلالاته لم تعد تلك الإطلالات التي لطالما كانت مرتقبة، ولا تهديداته تلك التهديدات التي لطالما كانت مرعبة للعدو الإسرائيلي.. لكن ما يميّز إطلالة أمين عام «حزب الله» أمس هو وسام «الإنصاف» والمصداقية الذي وضعه على صدر هذا العدو!
من حيث لا يدري لا ينفك السيد حسن نصرالله ينزلق أكثر فأكثر منذ غرقه في الوحول السورية نحو منزلقات تبعده، إطلالة بعد أخرى، عن أدبيات المقاومة، وتجرفه تباعاً تحت عباءة العداوة الإيرانية للمملكة العربية السعودية في اتجاهات أقل ما يُقال فيها إنها تصب في نهاية المطاف في سعي إسرائيل التاريخي إلى حرف بوصلة العداء في المنطقة لتصبح بعد النكبة السورية بين العرب والعرب.. بعدما كانت منذ النكبة الفلسطينية بينهم وبين كيانها المحتل.
فبعد سجلّ تاريخي إسرائيلي طويل حافل بالكذب والنفاق والغدر والعداء والاعتداء، هذا السجل الذي لطالما كان نصرالله يقلّب بصفحاته ويضيء على مخزونه المعادي للبنان والأمة العربية، لم يكن يطمح الإسرائيليون في قمة تطلعاتهم إلى أكثر من إشادة علنية بإنصافهم وصدقهم على لسان نصرالله نفسه، فسرعان ما بادروا إلى رد الجميل بأحسن منه عبر تعليقات إعلامية إسرائيلية نقلتها ليلاً «بكل فخر» الفضائيات الموالية لإيران عن شاشات الاحتلال ويبدو فيها محللون إسرائيلون يشيدون بـ«صدق» نصرالله وينوّهون بمضمون خطابه لجهة تبرئة إسرائيل من دم قائده العسكري مصطفى بدر الدين.
وقبلها، كان التقاطع واضحاً بين «حزب الله» وإسرائيل في تصويب اصبع الاتهام فور اغتيال بدر الدين إلى العدو المشترك المستجد في المنطقة المتمثل في فصائل المعارضة السورية انسجاماً ربما مع زمن تحالف الممانعين الجدد مع تل أبيب تحت لواء التنسيق الروسي الإسرائيلي في سوريا. ومن مفارقات هذا الزمن أن تخرج صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في عددها الصادر الثلاثاء الفائت لتؤكد أنّ قائداً عسكرياً كبدر الدين كان قد بنى أمجاده القتالية وأخذ مشروعيته المقاومة على جبهات القتال مع العدو الإسرائيلي، أنه أساساً «لم يكن يمثل تهديداً لإسرائيل لأن مجال اهتمامه كان إدارة المواجهة ضد قوى المعارضة السورية»، ولتشدد تالياً على كون تل أبيب غير معنية بالإقدام على أي خطوة يمكن أن تُفسّر على أنها «تدخل في الحرب الدائرة في سوريا حالياً» في إشارة رضا واضحة على مجريات الحرب الدائرة هناك برعاية روسية إيرانية وعدم الحاجة إلى أي تدخل إسرائيلي رديف.
نصرالله وإسرائيل يؤكدان أنها لم تقتل بدر الدين، والمعارضة السورية تنفي قصف موقعه بالمدفعية.. فهل من جهة قامت بتصفيته لحسابات متصلة بتصفية الحسابات الروسية – الإيرانية؟ وهل من علاقة «في مكان ما» بين مقتله في دمشق وبين اغتيال رئيس إدارة الاستخبارات العسكرية الروسية إيجور سيرجون قبل مدة في بيروت؟
في جميع الأحوال، بئس الزمن الذي أصبحت فيه إسرائيل «منصفة» و«صادقة» حتى ولو كانت بريئة من دم بدر الدين.
.. إنه على ما يبدو زمن توازن «الصدق» بعد الرعب!