الكرة في ملعب «التيار العوني» ورفض التجاوب مع طروحات الحريري يطيل أزمة التأليف
الحريري قدَّم طروحات جديدة لتسريع عملية التشكيل وليس في وارد تقديم أي تنازلات جديدة
يؤشر منحى الوقائع السياسية استناداً إلى مواقف مختلف الأطراف، ان مسار تشكيل الحكومة الجديدة، ما يزال موضع تجاذب سياسي داخلي حاد ومطالب تعجيزية متضاربة، بالرغم من كل محاولات تقريب وجهات النظر وتقليص مساحات الاختلاف وطرح أفكار وبدائل جديد، ما يعني أن عملية التشكيل ما تزال تدور في حلقة الخلافات الحادّة ذاتها ولا سيما العقدة المسيحية من دون ان تفلح الاتصالات والمساعي المبذولة حتى الساعة في حلحلتها وتجاوزها، في حين تبدو بقية العقد الأخرى، ولا سيما عقدة التمثيل الدرزي أقل حدة، ويمكن العمل علىحلحلتها في النهاية.
ولا شك ان الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري حاول خلال لقائه يوم الأربعاء الماضي مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تقديم أفكار وصيغ جديدة للخروج من مأزق تعطيل تأليف الحكومة المتواصل منذ أكثر من شهرين، وإعطاء انطباع تفاؤلي للبنانيين بإمكانية الانطلاق قدماً في مسار التشكيل، ولكن يبدو ان هذه المحاولة اصطدمت من جديد بمكامن عقدة التمثيل المسيحي التي تخفي في جوانبها أكثر ما هو معلن في تقاسم المقاعد والحقائب الوزارية قياساً لحجم كتلة «التيار العوني» أو «القوات اللبنانية»، إلى أبعد من ذلك بكثير كما أصبح معلوماً وخصوصاً ما يتعلق بتبؤ الزعامة المارونية مستقبلاً والاستئثار والتحكم بالقرار الذي يخص المسيحيين، إن كان بتركيبة الحكومة المقبلة، أو كل أمر يخص المسيحيين على وجه العموم.
تعطيل تشكيل الحكومة المرتقبة وتأخير ولادتها التي كانت منتظرة في مُـدّة قصيرة نسبياً عمّا يحدث الآن أصبح معروف المصدر من الداخل حصراً كما أظهرت الوقائع والمواقف السياسية، بالرغم من محاولات البعض إزاحة مسؤولية التعطيل عن كاهلها والصاقها تارة بعوامل إقليمية وخارجية والتركيز على ربطها بمسار الأحداث الدائرة بسوريا والتفاهمات الأميركية والروسية أو ما يُطلق عليه عقدة تمثيل المعارضة السنية أو ما شابه. الا ان كل هذه المحاولات انكشفت وظهر بوضوح ان ما يعيق استكمال تشكيل الحكومة الجديدة سببه الخلافات بخصوص التمثيل المسيحي الوزاري وتحديداً ما يُطلق عليه عقدة «التمثيل المسيحي»، لا سيما بعدما طرح الرئيس الحريري أكثر من بديل مقبول لحل هذه العقدة وتجاوز الانقسام الحاصل حول هذه المسألة ولكن يبدو ان ما هو مطلوب يتجاوز الحصص والحقائب والاوزان السياسية إلى إرساء موازين قوى سياسية تحقق الغلبة لفريق سياسي يمثله «التيار العوني» وحلفاؤه على الأطراف السياسيين الآخرين وتحديداً رئيس الحكومة المكلف وحلفاءه لملاقاة المرحلة المقبلة الحافلة بتطوراتها واستحقاقاتها المحلية والخارجية على حدّ سواء بهذه الموازين، الأمر الذي يُبقي كل طرف متتشبثاً بمواقفه ومطالبه وخياراته السياسية ولو أدى ذلك إلى إطالة أمد تشكيل الحكومة الجديدة لأن قيام أي حكومة جديدة غير متوازنة سيؤدي إلى إعاقة انطلاقتها وقيامها بما هو مطلوب منها في مختلف المجالات وإلى فشلها في القيام بالمهمات المناطة بها.
ولذلك، فالرئيس الحريري الذي وعد اللبنانيين مراراً بتشكيل حكومة توافق وطني أو وحدة وطنية تضم كل الأطراف السياسيين، يعلم جيدا انه بدون قيام مثل هذه الحكومة التي تقارب شكل الحكومة المستقيلة لن تستطيع القيام بمهامتها، فهو مُصّرٌ على تشكيل مثل هذه الحكومة مهما كانت الصعاب وتكاثرت العقد من هنا وهناك، ويعمل ما وسعه لفكفكة العقد وتقريب وجهات النظر، وقدَّم كل ما لديه من طروحات وافكار جديدة وتنازلات ممكنة لتسهيل مسار عملية تشكيل الحكومة المرتقبة في أقرب وقت ممكن.
ولكن بالرغم من كل ذلك، لا يبدو ان هناك تجاوباً مع الطروحات التي قدمها مؤخرا في لقائه مع الرئيس عون باتجاه الحلحلة، بل ان ما صدر من مواقف وتصريحات وتحديدا من رئيس «التيار العوني» لا يؤشر الى تجاوب أو قبول لهذه الطروحات المعروضة وانما إلى محاولات متجدّدة لحمل الرئيس المكلف على تقديم مزيد من التنازلات من جانبه لصالح الأطراف الآخرين، ما يؤدي الى خلل بالتوازنات السياسية، لا تصب في تحقيق هدف قيام حكومة وحدة وطنية حقيقية، كما يسعى لذلك بكل قواه.
وانطلاقاً من هذه الوقائع والمؤشرات، لا يبدو ان الرئيس المكلف في وارد تقديم أيٍّ من هذه التنازلات وهو متمسك بثوابته وطروحاته، وإذا كان من تنازلات ممكنة فعلى الأطراف الآخرين تقديمها لتسريع عملية التشكيل.
وإزاء ذلك، لا يبدو ان موعد تشكيل الحكومة الجديدة بات قريباً، بل قد يستغرق وقتاً أطول مما كان متوقعاً بكثير.