عاد موضوع اللجوء السوري موضوعاً أساسياً ومتقدّماً في واجهة المشهد اللبناني بحيث لم يعد ممكناً لأي من الملفات المطروحة على الأجندة السياسية أن تطفئ الجدال الدائر حوله، والذي وإن خفت أحياناً إلا أنّه لن يلبث أن يعود أقوى مما كان. فـ «ملف النزوح السوري أخذ طابع المزايدة بين القوى السياسية، كما تمّ توظيفه لأغراض انتخابية رخيصة»، لكن ذلك لا يلغي أنّ «أزمة اللجوء السوري هي أهم أزمة يعيشها لبنان منذ إنشاء كيانه»، كما يقول أستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر.
في مقاربته لموضوع النزوح السوري وسبل معالجته يبدأ نادر حديثه إلى «المستقبل» بالسؤال: «لماذا عاد هذا الملف إلى الواجهة الآن؟».
«فتّش عن حزب الله»، يقول نادر، فـ «الحزب كان يرفض في بداية الأزمة عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، أو إقامة مخيمات لهم في الجانب السوري من الحدود، لا في عرسال أو غيرها داخل الأراضي اللبنانية، إذ كانت هناك مخاوف لديه من انضمام هؤلاء لاحقاً إلى الثورة السورية. أمّا الآن وبسحر ساحر، فقد انقلب الحزب على موقفه وبات يطالب بعودتهم».
ويرى نادر أن «حزب الله أدرك أمراً مهماً وهو خطورة بقاء اللاجئين السوريين في مناطق قريبة من بيئة نفوذه. فهؤلاء قنبلة موقوتة بالنسبة إليه، فهم ضدّه سياسياً وآتون من المعاناة، إذ هجّروا قسراً من ديارهم وليسوا نازحين إقتصاديين، أضف إلى ذلك أنهم يعيشون وسط الفقر وبلا تعليم وفي ظلّ كبت سياسي. أي أن جميع عناصر إنفجارهم متوفرة، وهذا الخطر هو داخل بيئة الحزب الذي وإن ربح في سوريا فهو خاسر طالما أن النازحين في أرضه».
سبب ثانٍ يراه نادر وراء طرح ملف النزوح السوري مجدداً، وهو محاولة «حزب الله» توفير غطاءٍ سياسي وشعبي (مسيحي بشكل أساسي) للعملية الأمنية التي ينوي القيام بها في الجرود لضبط السيطرة على السلسة الشرقية، أي الحدود بين لبنان وسوريا، «إنطلاقاً من أنّ الشمال السوري بات موزعاً سياسياً وعسكرياً بين روسيا وتركيا والأكراد برعاية أميركية، وكذلك في الجنوب السوري الصورة تقترب من الوضوح أكثر فأكثر بعد الاتفاق الأميركي – الروسي الأخير. لذلك تحاول طهران تثبيت نفوذها في منطقتَي حمص ودمشق، والحدود اللبنانية – السورية امتداداً إلى لبنان».
والحال هذه ماذا يجب أن يكون موقف لبنان الرسمي من مسألة اللاجئين السوريين؟ يوضح نادر أن «لبنان يجب أن يفعل كل شيء لتسهيل عودة هؤلاء إلى بلادهم».. لكنّه في الوقت نفسه يرى أنّ «دعوة حزب الله وحلفائه الحكومة اللبنانية للتنسيق مع سوريا هي مجرد شعار». فالسؤال الأساسي، بحسب نادر، هو «إلى أين سيعود هؤلاء؟ إلى حمص؟ هل ابن حمص يمكنه العودة اليوم إلى مدينته؟ لا. لأنّه حصلت عملية إعادة توزيع ديموغرافي في سوريا تحت عنوان المصالحات».
وعليه أين سيقيم اللاجئون الموجودن في لبنان في حال عودتهم؟ يجيب نادر أنّهم «سيوضعون في مناطق تسمح لهم الخريطة الجيوسياسية بالتواجد فيها، أي في الشمال، في الممر من إدلب إلى جرابلس، لكن للوصول إليه عليهم عبور البوابة التركية.. أمّا من لبنان فيمكنهم أن يتوجهوا إلى المناطق الجنوبية، إلى البادية السورية. لكن هناك استحالة مناخية أن يقيموا هناك، كما أنّ إيران ليس من مصلحتها أن تضع جيوباً سنية في هذه المنطقة، وهي التي تبذل قصارى جهدها لتأمين الممر البري بين العراق وسوريا».
يضيف: «ليس في إمكانهم الذهاب، والحال هذه، إلا جنوباً باتجاه السويداء ودرعا مثلاً، وهذه إحدى مناطق خفض التصعيد الأربع التي اتفق عليها في آستانة، ولكي يذهب اللاجئون إليها يجب الحصول على موافقة الدول الراعية لاتفاق آستانة وليس النظام السوري. لذلك أي طرح جدي لمعالجة ملف اللاجئين يجب أن يمرّ حكماً بالدول الراعية للمناطق الآمنة».
ويؤكد أن التنسيق مع النظام السوري «يمكن أن يحصل عبر الأمم المتحدة»، ويسأل: «هؤلاء النازحون هم بغالبيتهم من مذهب معين فأين سيوضعون؟ والنظام الذي هجّر هؤلاء لم يعطِ أي مؤشرات تشجّعهم على العودة في ظل إعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية في سوريا. وبالتالي أي إتفاق يحتاج إلى ضمانات دولية. أضف إلى ذلك أنّ هناك تاريخاً من الاتفاقات مع النظام في سوريا لم يتم الالتزام بها من جانبه. كما أنّ النظام ليس صاحب القرار في سوريا اليوم، إنما من يقرر هي دول مجموعة أستانة (روسيا، تركيا وإيران) زائد أميركا».
ويلفت إلى أنّ «الديبلوماسية اللبنانية لكي تكون منتجة في هذا الخصوص عليها أن تشتغل على تصور مشترك لقضية اللاجئين مع الأردن – الذي يعاني من الأزمة نفسها – يُعرض على هذه الدول الأربع من خلال الأمم المتحدة. فهناك فرصة اليوم لوضع هذه القضية على خريطة الديبلوماسية الدولية المهتمة أصلاً بهذا الملف سواء في أستانة أو جنيف. ولبنان كان قد شارك في مؤتمر جنيف – 2 تحت عنوان اللاجئين. فلماذا يراد إدخال لبنان في صفقة جانبية مع الحكومة السورية التي تطرح شرعيتها إشكالية عربية ودولية؟».
ويتخوف نادر «من حصول احتكاك لبناني مع السوريين كما حصل مع الفلسطينيين في الماضي، في حال تمّ وقف الدعم عن اللاجئين وقُطعت عنهم مقومات الوجود». لكنّه يستدرك بالقول إنّ «هناك أيضاً انتهازية أوروبية ودولية في التعاطي مع هذا الملف. فلماذا يُطلب من لبنان أن يتحمل عبء مليوني لاجئ في وقت أوروبا كادت أن تتفكك عندما واجهت عبئاً مماثلاً؟».