IMLebanon

حاكمية مصرف لبنان واجهت “الغضب الشعبي” بسلاحٍ تايلندي!

 

نادرون من لا يعرفون في العالم العربي، من أقصاه الى أقصاه، شارع الحمراء في بيروت. الشارع يأخذهم الى نوستالجيا جميلة. لكن طبيعة شارع الحمراء، مثل كثير من “الطبائع” والخصائص اللبنانية، تتغيّر. فهل هي الثورة ُ بدّلت في التفاصيل تبديلاً أم هي “السلطة” لم تترك “للخير” مطرحاً؟

 

نزفت الأرض هناك، أوّل البارحة، خراباً في بنية قطاع مصرفيّ يعيث، كما كثير من السياسة والسياسيين، فساداً. فهل يستحقّ الفاسدون الخراب؟

 

أشجار الزنزلخت تُظلل المعالم. وروائح الدخان لا تزال تنبعث في الأجواء. و”أبو الخوف” وقّع كثيراً من العبارات التي دونت على عجل على جدران المصارف. نمرّ من أمام مسجد القنطاري. نقرأ آرمة: الطريق سالكة. مؤسسة الضاوي تحدد: الطريق سالكة الى زبائن الضاوي. نعبر أمام شارع كمال جنبلاط ونتوقف أمام بوابة رقم واحد في مصرف لبنان. ننظر الى الداخل. الموقف ممتلئ بالمركبات وكأن شيئاً لم يكن قبل حين. نتمعّن في التفاصيل فنجد أن غالبية العبارات التي دونها من ثاروا على حاكم المصرف قد طليت بسبراي أسود. مصرف لبنان يحاول أن يمحو الإرادات. نبحث أكثر في التفاصيل فنكتشف سبراي، ثمنها خمسة آلاف ليرة، مصنوعة في تايلند، إسمها “الفوز”.

 

Win قد فعلت فعلها بعد أول أيام الغضب الشعبي في شارع الحمراء. مصرف لبنان محا ما كتب على جداره لا ما كتب على جدار الآخرين وخال نفسه Win win.

 

“من يخاف الثورة؟” هناك من خرطش هذه العبارة باللون الأحمر على جدار، وعاد وأجاب نفسه بنفسِهِ لكن باللون الأصفر: “رياض سلامة”. إسم علي شعيب كتب على ألواح زجاج كثيرة لقيت ما لقيت من تشظٍ و”انهيارات. علي شعيب هذا هو من قام بعملية “بنك أوف أميركا” التي حصلت في شارع رياض الصلح في تشرين الأول عام 1973. أسماء تستعاد من الماضي في مطالب حالية. سهى بشارة معلقة على عمود، في صورة، مذيلة بعبارة: “لكل عميل سهى”. “الحرية للمناضل جورج عبدالله” شعار آخر. ليست الشعارات من صنفٍ واحد. هناك من مروا أول البارحة، في يوم الغضب الكبير في شارع الحمراء تاركين عبارات من نوع: ضمانة لبنان: “جيش وشعب ومقاومة”. أبو كفاح هو من كتب هذا. شعارٌ آخر لم يُكتب على عجل: “خيارنا المقاومة ونرفض المساومة”. يبدو أن الكثيرين مروا أول البارحة في المكان.

 

وزارة الداخلية هنا. وزارة السياحة هنا. وزارة الإعلام ايضاً. عناصر قوى الأمن الداخلي يجلسون بالقرب من بوابة مصرف لبنان رقم 2. أسلاكٌ تركّز أعلى. ونعوتٌ كثيرة قد لا تخطر في بال في حق “أبو رياض”. إستعارات مَن مروا مِن هنا كثيرة.

 

هل من ثاروا في شارع الحمراء هم نفس الثوار الذين يثورون في كلّ لبنان؟ سؤالٌ يلوح في بال الكثيرين. صاحب “كيوسك” لبيع الجرائد والكتب في الشارع الرئيسي يتألم جداً مما رأى ويُخبر: أسكن في “الخندق الغميق”. لكن ماذا لو كان بين الشباب من أتوا من الخندق الغميق؟ يبتسم قائلاً: إسمي محمود أبو الحسن من الجنوب. من تبنين في الجنوب. وكلّ من يساهم في خراب البلد “أزعر”.

 

“طقطقات” الزجاج تثير غضب الكثيرين. كثيرون مع الثورة لكن الكثيرين يتألمون حين يرون آثار “الغضب” التي تتفجر في التحطيم والتهشيم والخلع والقبع. هنا تتضارب الآراء كثيراً. نحاول أن نتمعن في كلام الناس ونحن نقرأ في عناوين الكتب المعروضة في “الكيوسك” فلنلتقط منها عنوان كتاب “الإنتقال الى الديموقراطية” بسعر 2000 ليرة. ألفا ليرة ثمن الديموقراطية ولا أحد يشتري.

 

ثلاثة شبان من راس بيروت يتسامرون وقاسمهم المشترك رفض ما حدث ويقول أحدهم: مرّت الحرب على راس بيروت والحمراء من دون أن نرى ما نراه “في حياتنا ما صار هيك… ويا محلا الحرب. أبلغنا الأجهزة الأمنية أن هناك من يتربص شراً براس بيروت والحمراء فقيل لنا: أخذنا علماً!”. لكن كيف يواجه الثوار سلطة بلا إحساس؟ يجيب: إسقاط النظام معناه كسر عظام سياسيين وطحنها لا ضرب صراف آلي حتى الموت”.

 

إصلاح الأضرار على قدمٍ وساق. اللبنانيون شعبٌ حيّ. هذا ما يقال. فرنسبنك أعاد تركيز كاميرات مراقبة جديدة. بنك بيروت قرر عدم تغيير زجاجه الذي بات يشبه الفسيفساء وركز جداراً حديدياً فاصلاً. وجوه سوداء ووجوه تبتسم. عاملة في بنك بيروت تردد بغضب: “البلي يسترك”! من؟ تجيب: صاحب سيارة الهيونداي السوداء. ننظر الى شاب يبتسم قال وهو يمرّ في مركبته من أمام المصرف: “انشاالله ما يبقى ولا مصرف”.

 

بنك مياب وضع على صرافه الآلي المحطم كرتونة بيضاء كتب عليها: خارج الخدمة! نضحك؟ نبكي؟ نتذكر أسلوب حاكمية مصرف لبنان في التخلي عن مواطنين وزبائن وأسلوب السلطة في التخاذل فنحسم خيارنا لجهة الدمع!

 

ثمة يافطة معلقة. سعد الحريري في يافطة لكن بالمقلوب. نقلب العينين كي نتمكن من القراءة: كلنا معك! يا الله كم تتغير الأمور في لبنان. “الموت لأمريكا الشيطان الأكبر”. شعار كتب البارحة. فيرست ناشونال بنك يستقبل زبائنه وأبوابه مشرّعة. سوسييته جنرال يستقبل زبائنه بلا زجاج وأبواب. من يرى المصارف التي تصرّ على العمل يشعر باستغرابٍ عارم. كم تُشبه أفعالها ذاك الشعار الذي كتبه فرنسبنك: معاً نحو غد أفضل! لم نعد نصدّق.

 

نتوقف أمام محل كُتب عليه: “فوت خال الباب بلا غال”. هنا فلافل أبو الزير.. نسأل العامل المصري: من يزور “أبو الزير” في الأوقات الصعبة؟ يجيب عما يجول في رأسه لا عما سُئل عنه: من يحطمون الحديد ويقبعون الأرصفة ليسوا ثواراً. الثوار محترمون. كلهم ذوق. ويستطرد: أخذوا من المحل البصل ليحتاطوا من آثار القنابل المسيلة. وماذا عن الفلافل؟ امتلأت غازاً ورميناها. مَن مع؟ مَن ضدّ؟ ليس هذا هو السؤال لكن ها قد حان طرح السؤال: ماذا بعد؟ هل تشعر هذه الدولة بحجم ما آلت إليه الأمور؟

 

نمرّ أمام محل شاورما وضع إعلاناً: لا يمكنك أن تشتري السعادة لكن يمكنك شراء شاورما!

 

يبدو أن دولتنا تعمل وفق قاعدة مماثلة: إقبلوا بالشاورما أو بالهلاك!

 

هو ليلٌ آخر يمرّ على الحمراء. الشارع، كما لبنان، ليس بخير.