يغادر وفد يمثل “جمعية المصارف” الأسبوع المقبل لبنان إلى أميركا للقيام بزيارة دورية يجتمع خلالها بمسؤول كبير في وزارة الخارجية مطّلع وبدقة على أوضاع المنطقة وعلى تطوراتها السياسية وفي الوقت نفسه الاقتصادية والمالية. ويجتمع أيضاً بمساعد وزير الخزانة ثم برئيس وأعضاء إحدى اللجان في الكونغرس التي تتعاطى مع الشؤون المالية والمصرفية. ويختتم الوفد زيارته باجتماع في نيويورك مع مختصين بالتعامل المصرفي والتحويلات المالية باعتبار هذه المدينة العاصمة المالية والاقتصادية لأميركا كما يسمّيها الكثيرون، إضافة الى كونها عاصمة العالم نظراً إلى وجود الأمم المتحدة فيها. والدافع إلى الاجتماع تعامل العالم مع نيويورك بل مع مصارفها على أنها المحطة التي لا بد أن تمر بها التحويلات المالية وخصوصاً إذا كانت بالعملة الأميركية.
طبعاً يعتقد سياسيون لبنانيون حزبيون وغيرهم أن الهدف الفعلي من الزيارة وإن دورية هو البحث مع المسؤولين المتنوعين في واشنطن ونيويورك في ما اعتبره “حزب الله” اللبناني الهوية والإيراني الايديولوجيا تصعيداً من أميركا ليس ضده فحسب، بل أيضاً ضد كل من تتهمه بالتعامل معه سواء كان شيعياً أو منتمياً إلى مذهب آخر أو طائفة أخرى. وهو البحث أيضاً عن طريقة لتلافي التصعيد المذكور الذي رافقه تهويل من “الحزب” على المصارف وتمسُّك منها بتنفيذ القوانين الداخلية والالتزامات القانونية الدولية التي وافق عليها لبنان، والتي تكافح الإرهاب وتبييض الأموال وغير ذلك من أمور غير مشروعة. وقد ورد التصعيد على ألسنة عدد من المسؤولين في “الحزب” المذكور، لكن أقساه وأكثره أهمية كان الذي ورد على لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله في إحدى إطلالاته التلفزيونية الأخيرة.
إلا أن قريبين من “جمعية المصارف” ينفون أن يكون هدف الزيارة الأميركية لوفدها التوسّط أو بالأحرى التوصل إلى حلول وسط تتجنب صداماً بين “الحزب” والدولة والقطاع المصرفي، وتحول دون انهيار الأخير وهو الوحيد الباقي واقفاً على قدميه دون كل القطاعات الأخرى الاقتصادية والمالية والسياسية. ولا ينفون أن طبيعة الموضوعات التي سيتناولها البحث لا بد أن تكون لها علاقة بكل الجهات لبنانية أو غير لبنانية المتهمة بضلوعها في الإرهاب وبتمويله بوسائل غير قانونية متنوعة.
وفي هذا المجال ينفي هؤلاء وجود أي ضغط أميركي على مصارف لبنان وجمعيتها أو مشكلة يريدون حلها في واشنطن ونيويورك، ويؤكدون أن الجمعية قامت بها عليها اذ زوّدت حتى الآن المصارف بسبعة كتيّبات تتضمن المعرفة والخبرة والوسائل لعدم الوقوع في مشكلات ونزاعات مع قوانين لبنان والنظام المالي العالمي، ودرّبت طواقمها على تنفيذ مضمونها حتى التي منها لها جانب عقابي.
والدافع إلى ذلك كان منع انهيار القطاع المصرفي الذي لا مصلحة لأحد فيه، بما في ذلك الذين يشكّون في “العقوبات” الأميركية والدولية. ولهذا السبب فإن التهويل والضغط لن يفيدا أحد. وقد عبّر عن ذلك في شكل أو في آخر مسؤول في جمعية المصارف في جلسة للجنة المال النيابية حضرها نواب من “حزب الله” بقوله رداً على استهجان أحدهم إقفال مصرف في النبطية حساباً لنائب حزبي مثله: “لكل مصرف حرية إقفال أي حساب سواء كان صاحبه سياسياً أو “حزبياً” أو مواطناً عادياً أو رجل أعمال أو… وليست هناك تعليمات من “جمعية المصارف” تستهدف حسابات “الحزب” وأعضائه. ولكن إذا كانت المشكلة إقفال حساب لنائب حزبي يحوّل إليه راتبه فليضع هذا الراتب في البيت موقتاً ريثما نمرّر هذه المرحلة الصعبة جداً وسوف نرى لاحقاً ماذا نستطيع أن نفعل”. وختم المسؤول نفسه الكلام بالتأكيد أن لبنان المصرفي الرسمي وغير الرسمي لن يتخلى عن التزاماته تجاه البلاد (حماية القطاع المصرفي) وتجاه النظام المالي العالمي الذي لبنان جزء منه. وهو لن يتخلى عن ذلك حتى ينجح المعترضون على هذا النظام أو المصابون بقراراته في إلغائه وهذا أمر مشكوك فيه، أو في الانخراط مجدداً مع راعيهم الإقليمي في المجتمع الدولي وتالياً في احترام “قوانينه” و”موجباته” في مقابل الحقوق التي يوفّرها لهم. وفي هذه الأثناء يقول مراقب لبناني مطلع إن الاعتراض على الاجراءات يُبحث فيه مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وربما تُطلب منه “تسويات”. وليس ذلك صعباً لأنه صديق لـ”الحزب” المعترض ولأميركا الضاغطة أو “المهوّلة”، ولأن له على الجهتين الكثير.