Site icon IMLebanon

افلاس «حماس»

 

يعبّر ما نشهده اليوم في قطاع غزّة من قمع للمواطنين عن حال الإفلاس التي وصلت اليها «الامارة الاسلامية» التي اقامتها «حماس» في ذلك الجزء من فلسطين. انّه افلاس لفكر الاخوان المسلمين الذين ليس لديهم علاقة من قريب او بعيد لا بالسياسة ولا بالاقتصاد ولا بالتعليم ولا باظهار الوجه الحضاري للشعب الفلسطيني. الأكيد ان الوجه الحضاري للفلسطيني ليس ذلك المقاتل الملثّم الذي لا يهمّه سوى نشر فوضى السلاح بدل البحث عن حلول توفّر على هذا الشعب المظلوم مزيدا من المآسي.

 

لا يمكن بالطبع اعفاء السلطة الوطنية المقيمة في رام الله من مسؤولية ما آل اليه الوضع في غزّة في ضوء استخفافها بـ»حماس» والدور المطلوب منها ان تلعبه وذلك منذ ما قبل خلافة محمود عبّاس لياسر عرفات في العام 2004. لم يعر ياسر عرفات في يوم من الايّام الوضع في غزّة ما يستحقه من اهتمام، على الرغم من معرفته التامة باهداف «حماس» وذلك منذ اليوم الاوّل لدخوله القطاع، عبر معبر رفح صيف العام 1994.

 

كان «أبو عمّار» يعرف الكثير عن «حماس» وخطورتها، لكنّه فضّل على عادته عدم اتخاذ أي إجراءات ذات طابع جذري منذ البداية. هذه كانت طبيعته لدى التعاطي مع الفصائل الفلسطينية الأخرى. بقي محافظا على هذه الطبيعة، على الرغم من انّه دفع غاليا ثمن ما ارتكبته «الجبهة الشعبية» في الأردن، بخطفها طائرات اليه… او شعارات «الجبهة الديموقراطية» عن «كلّ السلطة للشعب» التي اثارت الأردنيين على الفلسطينيين في 1970. تهاون مع كلّ ما ارتكبته الفصائل في لبنان، خصوصا منظمة «الصاعقة» التابعة للأجهزة السورية التي كان همّها سرقة المنازل والمصارف. كان العميد ريمون اده يسمّي المسؤول عن «الصاعقة»، زهير محسن «زهير عجمي» كثرة ما سرق مسلّحوه من السجاد العجمي من بيوت اللبنانيين في منطقة القنطاري تحديدا.

 

سرقت «الصاعقة» مقر «بنكو دي روما» في بيروت. لم يتحرّك ياسر عرفات. بقي يتفرّج عندما سرقت «الجبهة الديموقراطية» التي لا يزال يتزعّمها نايف حواتمة «البنك البريطاني» في بيروت وكانت في خزائنه ثروات لا تحصى من مجوهرات وقطع اثرية نادرة. ما زالت «الديموقراطية» تعيش على حساب تلك السرقة التي حصلت في العام 1976.

 

دفع اهل غزّة ثمن سكوت ياسر عرفات عن ممارسات «حماس» وسماحه لها بنشر فوضى السلاح في مرحلة ما بعد اتفاق أوسلو. كان الزعيم الفلسطيني مقتنعا في كلّ وقت بضرورة تفادي أي صدام فلسطيني – فلسطيني، على الرغم من انّه كان يقول في مجالسه الخاصة انّ إسرائيل وراء قيام «حماس» وانّ لا هدف من ذلك سوى إيجاد بديل من منظمة التحرير الفلسطينية. وحده التاريخ سيحسم هل كان «أبو عمّار» على حقّ في اتباع مثل هذه السياسة التي عادت بالكوارث على الفلسطينيين… ام انّ أسلوبه كان الخطأ بحد ذاته.

 

في غياب ايّ رؤية سياسية واضحة لدى السلطة الوطنية الفلسطينية حيال «حماس»، استُخدمت الحركة في كلّ ما من شأنه تعطيل البرنامج الوطني الفلسطيني وضربه. لعبت، بعد اتفاق أوسلو، في 1993،  كلّ الأدوار المطلوبة منها كي لا يعود هناك شيء اسمه عملية سلام. ثمّة من يعتبر ان إسرائيل لم تكن تريد يوما ايّ تسوية من ايّ نوع مع الفلسطينيين، خصوصا عندما يتعلّق الامر بقيام دولة فلسطينية. لكنّ هل هناك ما يبرّر العمليات الانتحارية التي استهدفت توفير كلّ الظروف اللازمة كي يحصل تغيير داخل المجتمع الإسرائيلي في اتجاه رفض السلام. بفضل «حماس» وممارسات «حماس» صارت المنافسة في إسرائيل بين من يريد التمسّك اكثر باحتلال القدس والضفّة الغربية.

 

 

هناك ثلاث نقاط تحول ساهمت في وصول قطاع غزّة الى ما وصل اليه. تختزل النقطة الاولى فوضى السلاح في القطاع والثانية الانسحاب الإسرائيلي في آب – أغسطس 2005 والثالثة انقلاب منتصف العام 2007. ما يربط بين النقاط الثلاث هو شبق الاخوان المسلمين الى السلطة بايّ ثمن كان. استغلّت «حماس» حال الضياع التي تلت وفاة «أبو عمّار» في تشرين الثاني – نوفمبر 2004 الى ابعد حدود. باتت اللاعب الوحيد في غزّة في وقت لم يكن لدى إسرائيل ايّ اعتراض على ذلك ما دام السلطة الوطنية عاجزة عن تحمّل مسؤولياتها.

 

مع دخول ايران على الخطّ، لم تعد «حماس» مجرّد لاعب محلّي. اصبح لها دورها في مجال دفع إسرائيل الى مزيد من التطرّف من جهة واللعب في الداخل المصري من جهة أخرى. في السنوات الأخيرة من عهد حسني مبارك، صار لـ»حماس» تأثير في مصر نفسها. ليس سرّا الدور الذي لعبته في اطلاق سجناء وموقوفين من الاخوان المسلمين في المرحلة التي شهدت نهاية عهد مبارك.

 

تميّزت كلّ مرحلة من المراحل التي مرّ بها الحكم المباشر لـ»حماس» لغزّة، بغياب أي مشروع سياسي او اقتصادي. ليس معروفا الى الآن لماذا كان اطلاق الصواريخ من غزّة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية في وقت يدرك الطفل انّ إسرائيل قادرة على تدمير احياء بكاملها على رؤوس السكان المساكين من اهل القطاع.

 

لم تكن «حماس» في ايّ وقت سوى أداة تستخدمها جهات خارجية. الدليل على ذلك ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أراد في العام 2010 تحويل نفسه الى بطل إسلامي عن طريق فكّ الحصار عن غزّة عبر إيصال سفن تحمل لها مواد غذائية. كان ردّ إسرائيل الاعتداء على هذه السفن وقتل مدنيين كانوا عليها، فيما استمرّ الحصار في ظلّ غياب أي اهتمام دولي بمصير الغزاويين.

 

عندما تقدم حركة مثل «حماس» على احتلال غزّة وفرض نظام لا افق من أي نوع له على أهلها، يبدو اكثر من طبيعي ان يأتي يوم ينتفض فيه الناس العاديون الباحثون عن بعض الامل بحياة افضل.

 

تكمن المشكلة بكلّ بساطة ان الفلسطينيين يعرفون ان لا مستقبل لهم مع «حماس» التي لم تجد غير القمع تردّ به على الاحتجاجات الشعبية. اكثر من ذلك، لجأت الحركة الى الاستعانة بفتاوى رجال دين من نوع يونس الاسطل الذي حرّض على قتل المشاركين في المسيرات الشعبية احتجاجا على انقطاع الكهرباء. نعم، هناك من يحرّض على قتل اهل غزة من منطلق «ان حماس تمثل الإسلام والخروج ضدّها يعني الخروج ضدّ الإسلام». هل من افلاس اكبر من هذا الإفلاس تعاني منه حركة تعتقد ان لديها حلولا لكلّ شيء، فاذا بها تكتشف انّ كلّ ما تستطيع عمله هو الاستثمار في نشر البؤس وتقديم كلّ الخدمات المطلوبة إسرائيليا لا اكثر ولا اقل.

 

منذ متى يحلّ قتل اهل غزّة اي مشكلة من ايّ نوع ويساعد في تحرير فلسطين من البحر الى النهر او من النهر الى البحر، لا فارق… الأكيد ان لا جواب لدى «حماس» عن مثل هذا السؤال سوى ممارسة القتل. لا تعرف غير القتل لتفادي الاعتراف بانّها افلست.