من محطة “جدة للامن والتنمية”، الى قمة طهران الثلاثية الروسية- التركية –الايرانية، وبينهما اللقاء السعودي-الاميركي، ايا كانت القراءات والتحليلات المتناقضة في شأنهما، وما يحيط بكل ذلك من ضبابية في المشهد، تصر الطبقة السياسية الغارقة في الضياع على ادخال لبنان واستحقاقاته مرحلة الانتظار القاتل، غير مقيمة اي وزن للتحوّلات الاقليمية والدولية وانعكاساتها المحلية، رابطة الداخل بالخارج بحبل غليظ، بعدما حضر بقوة على الطاولة في الرياض وطهران عبر البيانات التي افرزت له حيزا لا بأس به من اهتماماتها، ما يؤشر الى تربعه على سلم الاولويات الدولية.
وسط الركود السياسي – الحكومي في الداخل، كان الصوت الاعلى للقمم الخليجية – الاميركية والعربية – الاميركية التي استضافتها جدّة، وقد بلغت أصداؤها لبنان الذي غاب حضوريا، لكن حضر في بيان الاجتماع السعودي – الاميركي من بوابة تثبيت الشروط الدولية والعربية لاحتضانه من جديد، اذ شدد على ضرورة الاصلاحات الاقتصادية والسيادية، والاسراع في تأليف حكومة تبدو حتى الساعة مستحيلة الولادة، وحصر السلاح بيد القوى الشرعية فقط، وصون الاستقرار. لكن هذا الاستقرار ليس مضمونا في ظل قرع طبولَ الحرب للدفاع عن حقوق لبنان النفطية بحرا ومنع “اسرائيل” من التنقيب عن الغاز.
فكل المعطيات المتجمعة في الأفق السياسي اللبناني تؤشر الى ان بيروت دخلت “الفريزر” من تشكيل وريثة “معا للإنقاذ” التي باتت في حكم علم الغيب، خصوصا بعد حركة القاضية غادة عون باتجاه مصرف لبنان، ورد رئيس حكومة تصريف الاعمال، وتداعيات تلك القضية المرشحة لمزيد من التأزيم رغم اتصالات التهدئة، التي بلغت خارج الحدود، لتزيد قناعة المتابعين بان لا المهلة الزمنية متاحة ولا الرغبة موجودة لدى القوى السياسية في صرف الوقت على مفاوضات التأليف بما تتضمن من أخذ ورد، ما دامت البلاد قد دخلت مرحلة فتح الملفات المتفجّرة عشية الاستحقاق الرئاسي.
استحقاق على ما يبدو، وفقا للمصادر، لن يفوته ابو مصطفى دون ان “يشفي غليله ” حتى النهاية كما وعد منذ اليوم الاول للولاية العونية وفقا للعونيين، حيث الحديث جار عن “تنسيق” وتقاطع في الرؤية بين عين التينة وبكركي، قد يفضي الى الدعوة الى سلسلة جلسات لانتخاب رئيس للجمهورية مع بداية ايلول، تلبية لمناشدة البطريرك الماروني، ورغبة المجتمع الدولي، تلافيا لحصول فراغ في بعبدا، من جهة، بحجة احترام المهل الدستورية المرعية.
تبعا لهذا الواقع، يبدو ان معركة الصلاحيات بدأت تطل برأسها، مع دخول مفتي الجمهورية على خط التشكيل من بوابة الانتقاص من حق السنّة والمس بحقوقهم وان لم يعلن ذلك صراحة، وسط مخاوف سنية من اعتبار حكومة تصريف الاعمال غير ذات صلاحية لادارة البلاد في حال الفراغ الرئاسي، بعد توافر معلومات لدى اكثر من جهة عن وجود مطالعة دستورية تصب في هذا الاتجاه، ما قد يفقد السنّة حينها ورقة ربحوها في الطائف.
في بعبدا، ترقب لزيارة الرئيس المكلف، المحسومة النتائج مسبقا على قاعدة “تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي”. فهل يزور قصر بعبدا ام تبقي المعطيات الجامدة على ضفة تأليف الحكومة، عجلة التشكيل معطّلة؟