لا تزال قضية التبادل (Swap) التي سينفذها مصرف لبنان مع وزارة المالية باستبدال سندات دين بقيمة اجمالية تبلغ 6 مليار دولار، موضع متابعة من الاوساط المالية لاستشفاف أهدافها، ومعرفة اذا ما كانت ستساعد في تحسين الوضع المالي للدولة.
عندما يُقال ان اتفاق التبادل الذي تمّ بين وزارة المالية ومصرف لبنان، ليس هندسة مالية كما هي حال الهندسات التي جرت في العام 2016، يكون المقصود هنا، ان المصارف التجارية قد لا تستفيد من عملية المبادلة كما حصل في المرة السابقة. وقد نجحت المصارف في حينه في تحقيق ارباح سريعة مقابل الاكتتاب بسندات يوروبوند وشهادات ايداع لدى البنك المركزي.
واستفاد مصرف لبنان من العملية لتكبير حجم احتياطه من العملة الأجنبية للتمكّن من استكمال سياسة تثبيت قيمة النقد الوطني في ظروف سياسية صعبة سبقت انتخاب رئيسٍ للجمهورية.
الاتفاق الجديد الحالي لتبديل سندات دين بين المالية والمركزي، شبيه بالهندسات المالية السابقة، لجهة نقطتين:
اولا – ان مصرف لبنان سوف يدفع من أرباحه فارق اسعار الفائدة بين الدين بالليرة الذي سيقدمه للمالية، وبين اسعار فائدة الدين التي سيدفعها للحصول على سندات اليوروبوند.
ثانيا – ان عملية التبادّل ستؤدّي الى تعزيز احتياطي مصرف لبنان من العملات في المرحلة المقبلة.
في المقابل، نقاط الاختلاف بين العمليتين تكمن في الآتي:
اولا- ان المستفيد من تحقيق الارباح في الهندسات المالية السابقة هي المصارف التجارية التي اكتتبت في شهادات الايداع. في حين ان المستفيد من العملية الحالية هي الخزينة من خلال تأمين قروض تكفي لسد العجز لمدةعام تقريبا بسعر فوائد زهيد.
ثانيا – ان تسويق سندات اليوروبوند سيتم تباعا، ووفق الحاجة التي يحدّدها مصرف لبنان.
ماذا تعني هذه العملية وهل ان منافعها اكثر من مدلولاتها التي يعتبرها البعض سلبية؟
لا شك في ان الدلالة الاساسية في هذه العملية هي ان مصرف لبنان يتصرف حيال الوضعين المالي والاقتصادي على اساس انه «بَي الصبي». ويأخذ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على عاتقه مسألة الحفاظ على الاستقرار النقدي، وتحفيز الاقتصاد، ودعم مالية الدولة. وفي الهندسات المالية السابقة عالج ثغرة العجز في ميزان المدفوعات، ورفع الاحتياطي النقدي، وحصّن الوضع المالي بحيث تمكّن من الصمود في خلال أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري في السعودية.
اليوم، تبدو الحسابات شبيهة بالحسابات التي سبقت قرار الهندسات المالية. العجز المالي في الخزينة يتفاقم، والافق السياسي غير واضح رغم اجراء الانتخابات النيابية، والتي يُفترض ان تكون بمثابة مؤشر ايجابي يساعد على تحسين الوضع المالي. لكن هذا الامر لم يتحقق لسببين:
اولا- لأن الاعلام الغربي تعاطى مع نتائج الانتخابات النيابية وكأنها أفرزت فوزا ساحقا لحزب الله، يسمح له بالسيطرة سياسياً على لبنان.
ثانيا- لأن التعاطي مع التوازنات الجديدة التي أفرزتها الانتخابات النيابية أوحى بأنها ستكون عاملاً معرقلاً لتشكيل الحكومة الجديدة، وليس العكس.
الى ذلك، صودف توقيت اتخاذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران، مع انتهاء الانتخابات النيابية في لبنان. هذا الأمر زاد من منسوب الضغط على الوضع المالي اللبناني، وتجلّى بهبوط اسعار السندات اللبنانية في الاسواق العالمية.
هذا الوضع الجديد صعّب مهمة المركزي لأن تسويق السندات في هذا الوقت سيكون مُكلفاً اكثر.
في المحصلة، هل يمكن اعتبار عملية التبادل التي سيقوم بها المركزي مع وزارة المالية عاملاً ايجابياً في الوضع المالي؟
الجواب، انها خطوة اضافية لدعم صمود لبنان مالياً في ظروف قد تصبح شائكة وصعبة. وهي تمنح الجميع فرصة اضافية للبدء في عملية الانقاذ الحقيقي من خلال سلسلة الاصلاحات التي باتت معروفة.
مصرف لبنان قرر مرةً بعد، شراء الوقت ومنحه الى الطبقة السياسية لكي تباشر الخروج التدريجي من النفق. والسعر الذي يدفعه اللبنانيون لشراء الوقت ليس بسيطاً. وبالتالي، ينبغي أن تدرك الطبقة السياسية منذ الان ان كل يوم تأخير في تشكيل الحكومة الجديدة، هو يوم مدفوع من جيوب المواطنين.