IMLebanon

تسوية باسيل والحريري تهتز.. ولا تَسقُط

 

العلاقة مع «تيّار المستقبل» بعيون عونية

 

 

هل فجّر «التيار الوطني الحر» العلاقة مع «تيار المستقبل»؟ أو بمعنى آخر هل أعلن رئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل الطلاق مع رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري؟

 

سؤالان هامان يُطرحان اليوم في ظل أزمة غير مسبوقة بين الجانبين تبدو خارج سياق علاقة حاول الجانبان قدر الامكان حمايتها برغم مطبات عديدة سقطت فيها في المرحلة الأخيرة، وكان مرد تلك الحماية رغبة الطرفين في رسم معالم المرحلة السابقة لتؤسس لما بعدها.

 

في العام 2016، إتخذ الحريري قراره الجريء بدعم رئيس «التيار الحر» حينها العماد ميشال عون للوصول الى الرئاسة. خالف زعيم «المستقبل» بذلك وجدان الغالبية من تياره ومن مناصريه كما عارضته في قراره الشرائح الأكبر في الطائفة السنية، إلا أنها سلّمت له بما قام به. لكن الأمر لم يكن ترفا بالنسبة الى زعيم «المستقبل»، لقد شكل ذلك خياراً شجاعاً من خارج السياق، قابله عون وباسيل بتحية مماثلة لتشكيل ثنائية مارونية سنية تمهد لتعبيد الطريق أمام وصول باسيل الى الرئاسة بعد انتهاء ولاية عون من ناحية، وتكريس الحريري طويلا زعيما للسنة في لبنان.

 

تململ عوني

 

خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تبرز اعتراضات كبيرة من قبل العونيين على الحريري، كان الحلف في أفضل أحواله في السياسة كما في الإدارة وحتى في تفاصيل التعيينات التي غنم «التيار الحر» الحصة الكبرى للمسيحيين منها، على مرأى من الحريري ومن حلفاء عون وباسيل وأبرزهم «حزب الله».

 

كان للعهد ملاحظاته على الحريري، لكنه تمسك به في أحلك الظروف، وتدخّل بقوة خلال أزمة استقالته الأولى من السعودية، مثلما شكل رافعة مسيحية له تدعمه في قراراته الحكومية. لكن انتقادات العهد لشخصية الحريري وأدائه كبرت مع الوقت، وباتت تتردد لدى العونيين مؤخرا انتقادات لزعيم «المستقبل» لم تكن مألوفة في السابق، حتى أن البعض أخذ يُجرح بالحريري في المجالس الخاصة، قبل أن يخرج هذا الانتقاد الى العلن منذ الاستقالة الاخيرة للحريري، ليتبلور أكثر، بعمق وبشكل مسموم، في الايام الاخيرة.

 

والواقع انه كان للحريري ظروفه للاستقالة في وجه مد شعبي ساخط، وربما أدت به عوامل خارجية الى ذلك، لكن في كل الاحوال، فإن الأمر لم يمر مرور الكرام لدى عون وباسيل، كما لدى الثنائي الشيعي «حزب الله» و»حركة أمل». وإذا كان الثنائي قد اختار كلماته بعناية شديدة لتوجيه العتاب الى الحريري، تفجر غضب العهد و»التيار الحر» عليه في شكل غير مسبوق.

 

شعر العهد بطعنة وُجهت إليه عبر الاستقالة، وذلك بعد سنوات ثلاث بالكاد حقق فيها العهد بعض المنجزات التي لا ترقى الى حجم الطموحات، لتأتي استقالة الحريري وتضعه في واجهة الانتفاضة الشعبية في الوقت الذي تماهى فيه زعيم «المستقبل» شيئا فشيئا مع الحراك في انتفاضته.

 

لكن القضية لم تقف عند هذا الحد في نظر العونيين. هم خلصوا الى أن الحريري قد وضع حق النقض «الفيتو» على تواجد باسيل في الحكومة المقبلة، ما يعني عمليا، بالنسبة الى العهد و»التيار الحر»، وضع العراقيل في وجه الطموحات الرئاسية لباسيل والتي كانت قد تعرضت الى ضربة كبيرة مع اندلاع ثورة لم تكن في حسبان العهد وشكل باسيل أحد استهدافاتها الرئيسية.

 

يجادل قياديو «التيار الحر» طويلا في استباقهم كل الاحتجاجات في البلاد وتصدرهم للمطالب منذ زمن، وعملهم حكوميا لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية وتصحيح السياسات المالية، وخاصة محاولة مكافحة الفساد. وإذ هم يقرون بفشلهم على هذه الأصعدة بينما يصرون على انهم نجحوا في أخرى، لا يودون تحمل تبعات هذا الفشل لوحدهم، خاصة وأن ما يحدث هو نتاج عمل من كان في الحكم منذ العام 1992.

 

رفض رئاسة الحريري

 

يشعر العونيون بأنهم باتوا في عين العاصفة، وشكل القرار بعدم المشاركة في الحكومة المقبلة مخرجا لهم، مثلما كان قرارا بإحراج الحريري الذي لا يمانع في ترؤس حكومة من التكنوقراط بينما يشكل هو نفسه جزءا لا يتجزأ من طبقة سياسية ثار الناس عليها، حسب هؤلاء.

 

هو تصميم من «التيار الحر» بمواجهة من يريد إلغاء الحالة العونية، نتيجة قرار ذاتي أو خارجي لا فرق. يذهب العهد في استنتاجاته نحو الاحتمال الثاني بسبب مواقفه «السيادية» والمتحالفة مع «حزب الله» والداعية الى عودة النازحين الى بلادهم، ويستدل العونيون على ذلك بطلب الحريري تأجيل الاستشارات بالتزامن مع زيارة المسؤول الأميركي دايفيد هيل الى لبنان، ما يضعونه في إطار ممارسة الضغوط عليهم.

 

والواقع أن رفع سلاح الميثاقية شكل الرد الأنجع من جهة «التيار الحر»، بالتواؤم مع موقف لافت لـ «القوات اللبنانية» الذي يبدو أن لزعيمه سمير جعجع الكثير من الحساب غير المُسدد مع زعيم «المستقبل»، وكانت النتيجة إعلان «القوات» عدم تسمية الحريري في الاستشارات النيابية.

 

وعبر هذا السلاح، عرّى الثنائي المسيحي الحريري من شرعية ميثاقية لم يكن زعيم «تيار المردة» وبعض النواب المسيحيين الآخرين قادرين على تعويضها.

 

هذا كان رد باسيل على محاولة استبعاده من قبل الحريري، ليعلنها العونيون صراحة: نريد حكومة أخصائيين غير سياسيين، وإذا كنا خارجها، فليس على الحريري سوى الجلوس على مقاعد المتفرجين معنا!

 

هو طرح مستجد بالنسبة الى «التيار الوطني الحر» بناه على معطيات الأيام الأخيرة، «ولا مانع من تزكية الحريري لشخصية سنية لترؤس الحكومة، وهو ما سنقوم به في وزاراتنا». بذلك، يمارس «التيار الحر» اللعبة نفسها التي لجأ إليها الحريري سابقا. «فإذا كان الحريري قد امتطى صهوة الحراك، فنحن في صلب الانتفاضة ونتبنى مطالبها».

 

إذا، لا يبدي «التيار الحر» تفاؤلا بما ستقوم به حكومة تكنو سياسية، والتي يعتبر انها ستكون هزيلة ناهيك عن عدم ميثاقيتها مع غياب «التيار الحر»، وهو موقف يبدي تقديرا لموقف «القوات» «الذي ردع الحريري عن ذهابه الى النهاية بها».

 

قد يكون موقف باسيل على سبيل المناورة، وهو يختلف فيه مع الثنائي الشيعي المتمسك حتى اللحظة بالحريري، ما يثير انتقادات لدى التيار الذي يرى أن من شأن هذا التشدد في التمسك بالحريري أن يدفع الأخير الى التطرف في موقفه.

 

إلى أين من هنا؟

 

لكي نكون دقيقين، التسوية تمر في مرحلة اهتزاز.

 

هكذا يعلق قيادي في «التيار الحر» على ما تمر فيه تلك التسوية. هو لا يقطع بسقوطها كون الأمور في السياسة مفتوحة على كل الاحتمالات، «لكن مسؤولية تدهورها يتحملها الحريري نفسه».

 

إلا ان الكلام الواقعي يدفع الى اعتبار ان تلك التسوية هي في النهاية من مصلحة الطرفين. وقد لا يضحي كل طرف بما بناه خلال نيف وسنوات ثلاث، الى جانب ان لا خيار لهما سوى في التفاهم، وهو ما سيفيد منه الحريري في الاستمرار في زعامة الطائفة السنية، وباسيل في ترؤسه للتكتل المسيحي الأكبر وفي استئناف البناء على ما قام به في سبيل خلافة عمه في الرئاسة.

 

أما عن قرب الحل في البلاد من عدمه، فمن الواضح أن لا إجابات إيجابية على هذا السؤال، وهو الأمر الذي يستتبع سؤالا آخر: إذا كان تشكيل الحكومة المقبلة بعيدا، هل في إمكانية حكومة لتصريف الأعمال إيقاف النزف الحالي في البلاد؟