ضمان الإستقرار اللبناني هدف أول حتّم إنهاء بؤر الإرهاب
قبل ساعات قليلة من إعلان «حزب الله» سيطرته الكاملة على مناطق تواجد «جبهة النصرة واخواتها» في جرود السلسلة الشرقية لجبال لبنان وتحريرها من سطوة المسلحين وارهابهم، حظيت عملياته العسكرية هناك بصمت دولي وإقليمي أشبه بموافقة ضمنية. فلم نسمع انتقادات أو تعابير رفض من اي دولة لما يقوم به الحزب من عمل عسكري ضخم، هو اشبه بحرب من قبل دولة على دويلة مارقة، نظراً لحجم ونوعية السلاح المستخدم من قبل الحزب، الثقيل منه والقريب والمتوسط المدى وعدد المقاتلين المشاركين في القتال وحجم الخسائر البشرية بين الطرفين وخاصة لدى المسلحين.
ويعزز هذا الانطباع، ان المعركة التي يقوم بها الحزب بالمشاركة مع الجيش السوري، انما بدأت من الاراضي السورية وليس من اراضي لبنان، مراعاة لسياسة الدولة اللبنانية بالنأي بالنفس عما يجري في سوريا، ومراعاة لحساسية الوضع في بلدة عرسال ومحيطها، خاصة مع وجود عشرات الاف النازحين السوريين في مخيمات جرود عرسال، والذين تضمن الدولة اللبنانية سلامتهم ومساعدتهم على تخطي صعوبات الحياة التي يعيشونها، فيما تُعتبر العمليات العسكرية التي جرت في جرود عرسال البعيدة عن البلدة بمثابة امتداد للمعركة التي بدأت من جرود فليطا والجراجير السورية، علماً ان جرود عرسال تبعد بين عشرة و15 كيلومتراُ عن البلدة، ما يعني ان العمليات العسكرية لن تطال البلدة مباشرة.
ويؤشر هذا الصمت الاقليمي والدولي على بدايات تصفية لجيوب مجموعات مسلحة شاركت في الحرب السورية، وبؤر ارهابية لم يعد لها دور او فائدة تُذكر في لعبة المصالح والتسويات الدولية الجارية، فقررت الدول المعنية غضّ الطرف عن تصفيتها او نقلها من المناطق اللبنانية الى مناطق اخرى في سوريا، لا سيما وان الوضع السوري هو على أبواب مفاوضات جديدة في جنيف، وبعد اتفاقات «المناطق الآمنة» في الجنوب السوري، عدا عن ان كل الدول الشقيقة والصديقة للبنان تعمل وتتعهد ضمان الاستقرار النهائي فيه امنياً وسياسياً، بعدما دعمت التسوية التي انتجت انتخابات رئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة «استعادة الثقة».
وفي هذا الصدد يبرز القرار المتفق عليه ضمناً او علناً، بشكل مباشر او غير مباشر، بين «حزب الله» والسلطات المعنية اللبنانية بأن يتولى الجيش اللبناني أمن بلدة عرسال ومحيطها وامن مخيمات النازحين السوريين فيها وتحييدهم عن القتال، وهذا ما جرى فعلاً، وكذلك الاتفاق على سيطرة الجيش ومؤسسات الدولة لاحقاً على المناطق المحررة في جرود عرسال، من اجل ضمان السيادة الوطنية عليها، وعودة الاهالي الى ارزاقهم ومقالعهم الصخرية التي يعتاشون منها، تمهيداً لتحرير باقي الجرود الواقعة تحت سيطرة تنظيم «داعش» في جرود راس بعلبك والقاع، والتي ستشهد في مرحلة لاحقة معركة اخرى لتحريرها.
ولكن يظهر في لبنان، وخلافاً للجو الإقليمي والدولي، بعض الأطراف التي تعزف منفردة بالتعبير عن رفض تدخل «حزب الله» في هذه المعركة، بحجج مختلفة سياسية وامنية وانسانية، وهي تثير «الصخب» الاعلامي والسياسي ولو المحدود، تعبيراً عن رفضها تدخل الحزب في الحرب السورية اساساً، فيما يعتبر مؤيدو معركة الحزب في الجرود ان موقف هؤلاء ناتج عن رغبة بتصفية حسابات سياسية أو تسجيل موقف ضد خصوم سياسيين. كما ان هناك قوى وازنة مشاركة في الحكومة تعتبر ان إثارة هذا الصخب له اسباب محلية ضيقة لا تؤثر في المجرى العام الاقليمي الكبير الذي تجري فيه الاحداث، ومنها ان القوى السياسية على أبواب انتخابات نيابية، ولديها حسابات بعضها ذات طابع مذهبي ومناطق وسياسي بهدف الكسب الشعبي الانتخابي. عدا عن ان «التيار الوطني الحر» و«حركة امل» والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار «المردة» المشاركون في الحكومة يعتبرون معركة الجرود ذات بعد وطني وسيادي وتحظى بدعم شعبي من جمهور هذه الاطراف المسيحي والمسلم.
لكن يبدو ان هذا الصخب السياسي والاعلامي المحلي، لن يؤثر على مجرى الاحداث والخطط المرسومة من قبل الدول الكبرى المعنية بالصراع الجاري، والمهم ان لبنان سيبقى في منأى عن اي تطورات دراماتيكية سياسية اوامنية تجري في سوريا، ولكن لا بد من انتظار المرحلة المقبلة من معركة تحرير الجرود نهائياً من كل المسلحين، بتحرير جرود رأس بعلبك والقاع من مسلحي «داعش».
وتتخذ معركة تحرير مناطق سيطرة «داعش» بعداً آخر أقل حساسية سياسية وطائفية من تحرير جرود عرسال نظرا لوجودها في مناطق ذات اكثرية مسيحية تؤيد معركة «حزب الله» لتحرير مناطقهم وارزاقهم كما عبّر اهالي القاع امس، لكنها اكثر دقة نتيجة وجود العسكريين التسعة المخطوفين لدى التنظيم الارهابي، ما يُحتّم اجراءات عسكرية اكثر دقة وبحسابات مختلفة في المعركة قد تختلف عما جرى اتخاذه في معركة جرد فليطة وعرسال، خاصة اذا صحت المعلومات الاعلامية التي جرى الاعلان عنها امس، عن تحديد البقعة الجغرافية التي يُحتجز فيها العسكريون التسعة وان السعي قائم لمعرفة مصيرهم.