Site icon IMLebanon

المعركة في درعا والمساومة في الجولان!

 

لم يعد بنيامين نتنياهو يحسب أي حساب لغضب واشنطن إذا ما أراد أن يلتقي الرئيس فلاديمير بوتين. التغيير وقع أساساً من طرف واشنطن. لم تعد الأخيرة تغضب وتعتبر أن تل أبيب تتجاوز حدودها وتحاول «اللعب على حبال» العلاقات بين واشنطن وموسكو. العاصمتان متفاهمتان، في كل ما يتعلق بأمن واستقرار إسرائيل. لذلك يتوجّه نتنياهو للمرة الثالثة خلال ستة أشهر للقاء بوتين. من الواضح أن القمة الثالثة هي الأهم، لأنها تأتي قبل أيام معدودة من القمّة الاستثنائية المُرتقبة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب.

 

سوريا حاضراً ومستقبلاً في قلب القمتين. بوتين يعمل لأن تكون كلمته هي الكلمة الفصل في كل ما يخصّ الملف السوري. ترامب لا يبدو متحمّساً لمزاحمة بوتين، إلا بقدر ما يرضي البنتاغون. طالما أن مصالح البنتاغون مضمونة: «فخّار يكسّر بعضه». ما يريده البنتاغون أي الجنرالات أن يبقى له حق المراقبة والتوجيه عسكرياً في سوريا! أما كل ما يتعلق بالسياسة، فإن القمة الرئاسية تصبغها. مسألة «القواعد» جزء من سياسة المراقبة. موسكو لن تدخل في «مستنقع» التقسيمات. سوريا أصلاً مساحة مكشوفة والقرار النهائي فيها ليس للأسد، وبوتين يكفيه أنه أصبح على الأرض بعد أن أمسك بالفضاء وفرض حلاً عسكرياً كان لا يمكن أن يتحقق بدونه.

 

بوتين، خطط من الأساس أن يجتمع بترامب وقد أنهى معركة درعا. وقد نجح في تحقيق هدفه بعد أن «شَيشَن» الحرب في سوريا. لا حل يعلو فوق سياسة الأرض المحروقة. حتى هذه السياسة لم تكن لتنجح لو لم يتخلَّ «الآخرون» عن الثورة والثوار، والمعارضة والمعارضين. الآن، الشرطة الروسية هي التي تُمسك بالأرض. بعد معركة درعا، أمسكت وحدات من «الشرطة الروسية» بعد تمركزها بمعبر النصيب الحساس. هذا جزء من تعهّد موسكو بحماية السوريين في درعا من الأسد وقواته. انسحاب ما تبقّى من «المعارضة المسلحة» من درعا لن يعني انتهاء المعارك. ما زالت توجد مجموعات لـ«النصرة» و«داعش». لذلك ستقع معارك قد تكون محدودة لكن أكثر دموية.

 

ما يثير الشكوك بنهاية سريعة للحرب أنه بعد درعا توجد إدلب. ما لم يتم التوافق على حل يعجّل بإنهاء «المعارضة المسلحة» وصياغة ضمانات للإدلبيين فإن الخطر يبقى قائماً. لكن من الواضح أن الوضع العسكري إلى استقرار، وأن «محور الممانعة والمقاومة» سجل نقاطاً في خانته ولمصلحته في مواجهة الآخرين الذين لم ينجحوا في إدارة الحرب ولا السلام.

 

عودة إلى القمّتين وما بينهما إسرائيل، التي تشعر بالزهو لأنها حققت نجاحات تسمح لها بالراحة والارتياح لأكثر من عقد أو عقدين من الزمن. لكن في الوقت نفسه تتخوّف وتقلق من أمرَين تسعى للعثور على إجابات مطمئنة لهما:

 

* إيران ومعها «حزب الله»، أصبحا في وسط سوريا وفي قلب القرار في دمشق. الوجود الإيراني يُقلق ويُزعج إسرائيل، لذا تريد بأي طريقة عبر موسكو أولاً وواشنطن ثانياً (لأن وجودها في سوريا يبقى محدوداً)، العمل على إخراج إيران و«حزب الله» بعيداً عن الحدود أولاً وبسرعة ومن ثم خارج سوريا. تحقيق هذا الهدف ليس ملك يدي إسرائيل، ولا حتى يكفي أن تقول موسكو نعم، يجب أن ينسحبوا حتى يحصل ذلك. يكفي أن يرتدي الجنود والمقاتلون من «الحزب» ثياب الجيش السوري، وهو ما حصل مرات عدة حتى الآن، حتى يسقط الحل في مظهر شكلي.

 

إسرائيل تفضّل أن يتولى النظام الأسدي السيطرة على جنوب سوريا وهضبة الجولان في إطار «اتفاق فض الاشتباك عام 1974»، على أي وجود آخر. «النظام الأسدي» وطوال أربعين عاماً التزم ونفّذ الهدوء في الجولان. على هذه القاعدة فإن إسرائيل لن ترفض ولن تعترض على استتباب واستقرار نظام الأسد. ما تريده هو ما بعد الاستقرار، وأبرز بنوده التفاهم على مستقبل الجولان. تتمحور منذ الآن التفاهمات حول الجولان، مجرد القبول «باتفاق فضّ الاشتباك» يُشكّل الخطوة الأولى نحو الدخول في مسار الاتفاق الكامل حول الجولان. «محور الممانعة والمقاومة» بقيادة إيران متى سلّم بالابتعاد عن الحدود أي مسافة وصولاً إلى 40 كلم، يعني قبوله بالمساكنة والسكون على طريق صياغة الاتفاقات النهائية. أي خطاب يتجاوز هذا الواقع هو خطاب لتغطية التراجع. ما يعُجّل بذلك أن سياسة الإعمار لا يمكن أن تبدأ وتُنفّذ من دون التأكد من أن الجولان سيبقى ساكناً، وأن إسرائيل ستبقى هادئة جواً وبراً.

 

* تتخوّف إسرائيل من تبلور «شهر عسل» أميركي – روسي. مثل هذا الاحتمال يطرح عليها صوغ استراتيجيا جديدة، حتى لا يُفرض عليها أي حل لا تتحمّله. ما يرفع من منسوب القلق الإسرائيلي، أن يتم الاتفاق حول الملف النووي الإيراني، تأخذ فيه واشنطن بدعم روسي من إيران اتفاقاً نووياً جديداً أو معدّلاً شرط أن ينفّذ بدقة، وأن تقايض إيران مثل هذا الحل باستمرار وجودها في سوريا خصوصاً في مرحلة إعادة الإعمار التي يمكن لها من خلال المشاركة بها التعويض عن إنفاقاتها الطويلة وهي بعشرات المليارات.

 

لا شك أن الأسد المُدين بنجاحه وبقائه سواء حتى عام 2021 أو ما بعده، للرئيس بوتين وللمرشد آية الله خامنئي وللسيد حسن نصرالله ليس أمامه من خيارات سوى تنفيذ ما يُطلب منه الآن ولسنوات طويلة