الاستعدادات العسكرية واللوجستية والقتالية التي يتخذها الجيش، تشير جميعها الى تصميم لبناني رسمي على استعادة جرود بلدتي القاع ورأس بعلبك من قبضة تنظيم «داعش» الارهابي، وتطهيرها من جماعة لا تفهم الحياة سوى بالقتل والذبح والاغتصاب وتكفير كل من ليس من تفكيرها الدموي، والوحدات القتالة المتواجدة والرابضة بمواجهة مواقع «داعش»، تتمتع وفق شهود عيان، بدرجة عالية جداً من المعنويات والاندفاع للثأر من التنظيم الذي غدر بضباط وجنود كانوا يوفّرون الأمن لأهالي عرسال وللنازحين السوريين اليها، وخطفوا تسعة عناصر، ما زال مصيرهم مجهولاً حتى الساعة.
المعلومات التي يتم تداولها في حلقة ضيّقة، ان معركة الجيش ضد «داعش» ستتم قبل حلول فصل الشتاء، وحسابات قيادة الجيش والقيادات السياسية الرسمية، ان التفاوض مع «داعش» لن يوصل الى اي نتيجة كما كان الوضع مع «جبهة النصرة»، لأن تنظيم «داعش» من حيث المبدأ لا يفاوض ولم يفاوض على الانسحاب من اي منطقة او مدينة احتلّهما، فكيف يفاوض وجميع المنافذ والسبل مغلقة في وجهه، وليس هناك مكان متاح يمكن اللجوء اليه داخل سوريا او العراق، ولذلك من المتوقع ان يقاتل عناصره الى ان يقتلوا او يؤسروا او ينتحروا بالأحزمة الناسفة، وبالتالي فان القيادة اللبنانية لتتفادى وقوع خسائر كبيرة في صفوف الجيش، لا يستبعد ان تعتمد الاسلوب الروسي في القتال، وفق رأي ضابط متقاعد، القائم على غزارة غير محدودة في قصف مدفعي وصاروخي كثيف، قريب المدى وبعيدة، وبما ان لبنان شريك في الائتلاف الدولي ضد الارهاب، لا يستبعد ان يقوم طيران التحالف بقصف مواقع «داعش» وتدميرها تماماً، وايقاع خسائر بشرية كبيرة في صفوفه قبل تقدّم مشاة الجيش، تحت غطاء من قصف الطائرات اللبنانية ومن المستبعد، وفق الضابط المتقاعد، ان يتسلّم الجيش جرود عرسال قبل معركته ضد «داعش»، منعاً لتوسيع رقعة انتشاره، ويؤكد الضابط ان المعركة ستكون قاسية وصعبة، ولكنها لن تكون اصعب من معركة نهر البارد، وسينتصرالجيش حتماً كما انتصر في نهر البارد وفي معركة الضنيّة، ويؤكد الضابط المتقاعد ان انشاء ما يسمّى «بانصار الجيش» للمساعدة في حماية البلدان والقرى القريبة من المعارك، انما هو قرار تتخذه القيادة ويكون منظماًَ وشرعيا وبامرتها ويمكن ان يضم مدنيين مدربين وضباطاً وجنوداً متقاعدين.
***
في سياق متصّل، قد يكون لمعركة التحرير المرتقبة، تداعيات على الداخل اللبناني، كأن يتمّ تحريك ما تبقى من خلايا نائمة «لجبهة النصرة» و«داعش» للقيام بعمليات ارهابية انتحارية انتقامية، ولذلك قد تكون الانتخابات الفرعية في طرابلس وكسروان عرضة للالغاء لاسباب امنية، كما ان الحديث عن امكان اجراء تعديلات وزارية في عدد من الحقائب، سوف يتوقف، كما ان الخلافات والاختلافات ضمن الحكومة بين القوى والاحزاب الاساسية المشاركة، والتي خلقت نوعاً من الاهتزازات والشائعات بأن رئيس الحكومة قد يقدّم استقالته، وان الحكومة ستصبح حكومة تصريف اعمال الى حين اجراء الانتخابات النيابية العامة في الربع الاول من العام المقبل، سوف تتوقف بدورها محافظة على الوحدة الداخلية في ظروف صعبة، بانتظار انتهاء معركة الجرود، ووضوح الرؤية في سوريا، وتمرير قطوع العقوبات الاميركية على حزب الله، ومعرفة مصير العملة الوطنية بعد تنفيذ سلسلة الرتب والرواتب، ونتائج فرض الضرائب على الاقتصاد الوطني.
يمرّ لبنان واللبنانيون بمرحلة صعبة، ربما هي الاخطر في تاريخه الحديث، والنجاة من النتائج السيئة لهذه المرحلة، وفق على حجم ولاء اللبنانيين لوطنهم ولدولتهم، ال تي يريدونها قوّية عادلة لبنانية الهويّة والانتماء.