IMLebanon

معركة «كسر عظم» والمطاعم تنافـس مراكز الإقتراع

 

إكتسبت المعركة في دائرة المتن عموماً، والتي تضم 8 مقاعد نيابية (4 موارنة، 2 أرثوذكس، 1 كاثوليك، 1 أرمن أرثوذكس)، طابعاً خاصاً، وتحديداً في برج حمود «عاصمة الأرمن»، إذ برزت المنطقة بحلّة مغايرة، فتخلّت أزقّتها عن مشهدها الروتيني، غاب ضجيج المعامل وأحاديث التجّار، أُغلِقت المتاجر، شُلّت حركة المتسوّقين، لتجتاح طاولاتُ مندوبي المتنافسين الأرصفة والأحياء. معركة أقلّ ما يمكن وصفُها بأنّها معركة «كسر عضم»، فاز بها دولة الرئيس ميشال المر في وجه التحالفات والتيارات والأحزاب.

لم تَقِلّ معركة المتن ضراوةً عن المعارك الانتخابية في الدوائر الـ14 الأخرى، معركة لم توفّر فيها الاحزاب أيّ وسيلة لغسلِ أدمغة الناخبين والتأثير في توجّهاتهم حتى الدقيقة الاخيرة، من تقديم التسهيلات اللوجستية، كالبحث عن مكان اقتراعهم والتأكّد من هوياتهم، مروراً بتقديم القبّعات و«التيشرتات»، والوجبات الغذائية وصولاً لمرافقتهم إلى عتبة أقلام الاقتراع من دون التردّد في الدخول معهم لولا منعُهم مراراً مِن قبَل القوى الأمنية. ومَن احتارَ بما سيقدّمه، استحضَر كرسيّاً متحرّكاً لذوي الاحتياجات الخاصة أو لمن يُعانون من مشكلة في التنقّل، لا سيّما من المسِنّين على عكّازاتهم.

مطاعم تُنافس مراكز الاقتراع
عند السابعة صباحاً فُتحت أقلام الاقتراع أمام الناخبين بعدما أقفِلت الصناديق، وبدا المندوبون خليّة نحل يَعملون في كلّ الاتجاهات. وزاد من كثافتهم التنافس بين خمس لوائح، هي: «الوفاء المتني» التي يَرأسها دولة الرئيس ميشال المر، «كلّنا وطني»، «المتن قلب لبنان»، «نبض المتن»، «المتن القوي».
في ساعات الصباح الأولى بدت حركة الناخبين نسبياً جيّدة أمام مراكز الاقتراع، حيث اصطفّ الناخبون، يتبادلون أطرافَ الكلام والتوقّعات: «مين قولكن بيقطِفها بالمتن؟»، وغيرها من الأحاديث الجانبية. إلّا أنّ هذه النسبة التي رُجّح لها أن تبلغ ذروتها عند الظهر، أثارَت اندهاشَ معظم المشاركين في العملية الانتخابية نظراً لبطئها، فتوالت الردود: «يا عمّي وينُن الناس؟»، «والله بالاستحقاق البلدي كانت الحركة أوسع»… وكان الرهان على أن «يطبّوا» فجأةً بعد الظهر، في اعتبار أنّ الغداء «مقدّس» يوم الأحد عند معظم العائلات اللبنانية». إلّا أنّ فترة بعد الظهر لم تكن في حجم الرهان، ولدى مرور أحدهم قرب مراكز الاقتراع، ارتفعت عبارة باللغة الأرمنية «إيش باسس» (أي كيفك) امام مجموعة من الشباب، فيردّ أحدهم: «ألله معك مختار، يلا رايحين»، في إيحاء أنّهم لن يتأخروا عن الإدلاء بأصواتهم، فيما المختار لم يَبدُ أبداً مرتاحاً الى نسبة الاقتراع الخجولة.
في جولة لـ«الجمهورية على معظم الشوارع الرئيسة، سرعان ما تلفتُ الانتباه كثافة المواطنين عند المطاعم و«كيوسكات» الأكل، إذ نجَحت في استقطاب الناخبين أكثر من أقلام الاقتراع، وللحظةٍ قد يُخيّل لك أنّ في «راس الزاروب» مركز اقتراع لشدّة التهافت إليه، ولكن سرعان ما تبيّن أنه مجرّد «سناك» يقدّم السُجُق و»البسطرما».

 

ما يطلبه الناخبون
عند جانبَي كلّ مركز اقتراع وقُبالته، نُصِبت خِيَمٌ من شتّى الألوان لأصحاب اللوائح المتنافسة، كادت أن تتحوّل «بيتاً ثانياً» للناخبين. في ظلال تلك الخيَم، تجمَّع المندوبون المتنقّلون والثابتون، معظمُهم اعتمر قبّعات الجهة السياسية التي يمثّلها بالإضافة إلى «التيشرتات»، وإلى جانبِهم «كدسات» من علبِ المأكولات الجاهزة والتي لم يَبخلوا بها على الناخبين، «تفضّلوا مالحونا»، «مين بدّو عصير؟»، وغيرها من الدعوات الملحّة للناخبين قبل أن يتحوّل الكلام إلى «لمين لح تعطوا صوتكم التفضيلي؟»، سؤال اختلفَت حوله الأجوبة، منهم من تململَ واستدارَ ليرحلَ وآخرُ لم يتردّد في الإعلان عن رأيه جهاراً.

 

مراكز الاقتراع
مدرسة مسروبيان، مدرسة شامليان، برج حمّود الرسمية، مركز البلدية… تعدّدت المراكز في المنطقة، واختلفت معها المشهدية، فكان لكلّ مركز خصوصية.
ففي شارع «أراكس» الذي تغزوه المحلات التجارية «من البابوج للطربوش»، احتلّت الأعلام شرفات المنازل، وعند كلّ تقاطع تمركزَت مكبّرات الأصوات التي تصدح بالأغاني الارمنية. أمّا في شارع حارة صادر الذي يمتدّ من مستديرة الدورة إلى ساحة البلدية، ففيه خُصّص مركز للاقتراع في بهو كنيسة ماريوسف ـ حارة صادر، حيث اشتكى المشاركون من ضيقِ المكان وضعفِ التهوئة الكافية. أمّا بلدية برج حمود، فقد نجَحت في المحافظة على هدوئها بعد إشكال حصَل مع أحد أصحاب الأقلام الذي تردّد أنّه لم يوقّع بدايةً على إحدى اللوائح قبل أن يقدّمها للناخب، ولكن سرعان ما حُلّت المشكلة.
أمّا بالنسبة إلى أبرز مشكلة واجَهها ناخبو برج حمود فكانت عملية توزيع المراكز بين الطوائف والمذاهب، فقد اختلفت عليهم مقارنةً مع الاستحقاقات السابقة، فكان معظم المرشّحين يندهشون في كلّ مرّة يصِلون فيها إلى قلم اقتراع، ويتبيّن لهم أنّ عليهم التوجّه إلى شارع آخر، فيعودون أدراجهم والتململ يعلو محيّاهم.

 

نجم المعركة
شكّلَ الـ«power bank» أو شاحنُ الهواتف، النجمَ الأكبر لدى المندوبين داخل المراكز وخارجَها، وإذا اختلفوا في ما بينهم حول العناوين السياسية والتحالفات الحزبية، سرعان ما كانت الحاجة إلى الشاحن المُصلِح الأكبر والمُصَفّي القلوب في ما بينهم، نظراً إلى أنّ الخلوي شكّلَ السلاح الأفعل في شتّى صفوف المتنافسين.

 

«لا تواخذونا»
كلمة طنّت في أذن الناخبين وتأثّروا لدى دخول إحدى السيّدات الطاعنات في السن، بعدما «شنغلتها» إبنتاها بكلتا يديها لمساعدتها في صعود الدرج للتمكّنِ من الاقتراع، فبادرَها مسؤول القلم بالقول: «لا تواخذونا»، وكأنّه حملَ صرخة الناخبين ومعاناتهم من المراكز إلى الأراضي اللبنانية، والتي لا تزال غير مهيّأة كفايةً لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يشكّلون نسبةً لا يُستهان بها من الناخبين.