أصحاب العقارات المجاورة لمشروع «ايدن باي»، المقام على شاطئ الرملة البيضاء، قرروا التقدّم بدعاوى أمام القضاء لإلغاء تراخيص البناء والتزام القوانين والأنظمة. تأتي هذه الخطوة بعد اجتماع عقده هؤلاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون، وصدور تقرير عن نقابة المهندسين في بيروت يفنّد المخالفات التي قام عليها المشروع، بناء على طلب من وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد
يصرّ محافظ بيروت القاضي زياد شبيب على تأمين كامل الحماية الممكنة لمشروع «إيدن باي» القائم على شاطئ الرملة في البيضاء على العقارات 3689 و3690 و3691 و3692/المصيطبة.
فعلى الرغم من صدور تقرير عن نقيب المهندسين جاد تابت، في 28 حزيران الماضي، بناء على تكليف وزير الدولة لمكافحة شؤون الفساد نقولا تويني، وفنّد فيه المخالفات المرتكبة في المشروع، قبل وبعد المباشرة بالتنفيذ، بما سمح للشركة المستثمرة ببناء أكثر من 5 آلاف متر مربع إضافية بصورة مخالفة، تشكّل ضعفي مساحة البناء القانونية المسموحة في المنطقة، وبدلاً من إبطال الرخصة الممنوحة ووقف أعمال المشروع، أرسل شبيب «إنذاراً» إلى الشركة يوم الأربعاء الماضي، يطلب منها تسوية المخالفات خلال 15 يوماً.
هذا الغطاء المؤمّن لمشروع «إيدن باي» رغم تعديه على الأملاك العمومية ومخالفته قانوني البيئة والبناء وشروط الرخصة الممنوحة له، دفع عدداً من أصحاب العقارات الخاصّة المحيطة به إلى الاتفاق على رفع دعاوى جزائية أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، اليوم، لوقف أعمال المشروع السياحي القائمة على شاطئ الرملة البيضاء، نتيجة ما وصفوه بـ»الأضرار اللاحقة بهم من تشييد المنتجع الذي قد يتحوّل إلى فاتحة لمشاريع مماثلة على طول شاطئ الرملة البيضاء، مع ما يتبع ذلك من خفض لأثمان عقاراتهم بعد إغلاق الواجهة البحرية».
أقوى من القضاء
تضاف هذه الدعاوى إلى سلسلة أخرى من المراجعات أمام مجلس شورى الدولة وقضاء العجلة، التي لم تفلح بإبطال الرخصة الممنوحة وإيقاف المشروع. وهي تأتي بعد اجتماع، عُقد، الأسبوع الماضي، في القصر الجمهوري، ضم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ووزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، وممثلين عن أصحاب العقارات المتضررين من المشروع. وكلّف عون، على أثره، تويني بإعداد ملف عن مشروع «إيدن باي»، والطلب من نقيب المهندسين إجراء دراسة هندسية حوله، ومتابعة الملف مع وزير العدل لتصويب الأداء القضائي.
يقول نديم قصّار، وهو أحد ممثلي مالكي العقارات إن «قاضي الأمور المستعجلة في بيروت نديم زوين، أصدر ثلاثة قرارات تسمح لخبراء ميدانيين بالدخول إلى موقع المشروع والكشف عليه لتبيان وجود مخالفات البناء ورصد عمليات ردم البحر وشفط الرمل المستمرة حتى اليوم، إلا أنهم منعوا من الدخول دون إعارة أي اهتمام للقرارات القضائية. ويبدو من ذلك أن الغطاء المؤمن لهذا المشروع شامل وكامل»، فيما يشير وجيه البزري، وهو أحد ممثلي المالكين أيضاً، أن «المطلوب هو تصحيح الوضع القائم واحترام القوانين، خصوصاً أن التعديات واضحة ومخالفات البناء ثابتة بتقارير هندسية».
عدم قانونية البناء
يشتمل تقرير نقيب المهندسين على ثلاثة عناوين رئيسيّة، هي: عدم قانونية البناء على العقار 3689، وعدم قانونية المشروع المرخّص على العقار نفسه، إضافة إلى المخالفات التي ارتكبت بعد الاستحصال على رخصة البناء والمباشرة بتنفيذ المشروع.
ويفصّل التقرير «النقاط القانونية والهندسية التي تبيّن المخالفات الأساسية التي تعتري المشروع، والتي من شأنها حث السلطات المعنية على إيقافه فوراً حفاظاً على المصلحة العامة وعلى هيبة الدولة»، بحسب ما يفيد تابت في تقريره، كون «مجموع المساحات الإضافية المخالفة بلغت 5251 متراً مربعاً، ما يعني أن الشركة صاحبة المشروع بنت ضعفي مساحات البناء القانونية المسموحة في المنطقة»، مع ما يحمل ذلك من مخالفات لأبسط مبادئ التنظيم المدني، ويتعارض مع المبادئ التي وضعت منذ الستينيات لحماية الطابع الخاص لشواطئ العاصمة اللبنانية. وهو بالتالي ينقض التقارير السابقة التي استند إليها مجلس شورى الدولة عند إصداره قراراً بمتابعة الأعمال في المشروع.
8 مخالفات ثابتة
يعدّد تابت في تقريره ثمانية مخالفات ثابتة، وهي:
1- عدم قانونية ضمّ العقارات 3689 و3690 و3691 و3692 من منطقة المصيطبة العقارية، لتشكيل العقار رقم 3689، كون الصحائف العقارية العائدة للعقارين 3691 و3692 تتضمّن إشارة «مرتفق بحق عدم البناء»، في حين أن العقارين 3689 و3690 ليسا مرتفقين بهذا الحق، وتالياً ضمّهم بعقار واحد هو مخالف للمذكرة الإدارية 1/1991 حول ضم العقارات والوحدة العقارية، والتي تنص على أن «ضم عقارين أو أكثر إلى بعضهما لتصبح عقاراً واحداً تستوجب أن تكون العقارات متجانسة ومتلاصقة ولنفس المالك، وأن تكون من نوع شرعي واحد وفي منطقة عقارية واحدة وبنفس حقوق الانتفاع والارتفاق العقاري».
2- عدم قانونية شطب إشارة عدم البناء على العقارات بعد ضمّها في عقار واحد، والتي أجاز بها محافظ مدينة بيروت السابق، ناصيف قالوش، في كتابه رقم 11424 المرسل إلى أمين السجل العقاري في 6/6/2012، في مخالفة للقانون كون هذه الإشارة ناتجة عن ارتفاق حاصل بموجب عقد المقاسمة والفرز للعقارات الأساسية، وتالياً لا يحق لمحافظ بيروت إقرار هذا الشطب، دون قرار قضائي بهذا الخصوص.
3- عدم قانونية رخصة البناء الممنوحة للمشروع على العقار 3689 لاستنادها إلى شقلات خاطئة، ففي مقارنة بين الخريطة المقدمة من طالب الرخصة وخريطة مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، يتبيّن وجود عدد من المفارقات الفاضحة، سواء لناحية الارتفاع الوسطي عن مستوى سطح البحر، ومستوى أرض العقار، وارتفاع الأرض الطبيعية، والتي من شأنها إدخال تعديلات أساسية على طريقة احتساب مساحات بناء المشروع التي ينبغي أن تدخل ضمن الاستثمار. حيث يتبيّن أن كل أجزاء البناء التي ترتفع عن منسوب 6.4 متر عن سطح البحر تدخل حتماً في حساب عاملي الاستثمار السطحي والعام، ما يعني أن الطبقة السفلية الأولى للمشروع البالغ سقفها 8.2 متر تدخل ضمن هذا الحساب، إضافة إلى أن المشروع يتعدّى الاستثمار السطحي الأقصى المسموح به في المنطقة والمحدّد بـ30% من مساحة العقار بثلاثة أضعاف أي بقدر مساحة الطبقة السفليّة البالغة 4218 متراً، ولا يتقيّد بالتراجع المفروض عن حدود العقار رقم 2231 المجاور، علماً أن هذه المساحة الإضافية غير القانونية توازي مساحة أكثر من خمس طبقات علوية.
التعدي على الأملاك العامّة
4- مخالفة رخصة البناء القرار 144/س الصادر عام 1925 والمتعلّق بتنظيم الأملاك العمومية، والمرسوم 4810/1966 المتعلق بإشغال الأملاك البحرية، لتضمّنها تعدياً واضحاً على الأملاك البحرية العمومية، بحسب الخرائط المبرزة في ملف طالب الرخصة والتي تتضمّن أعمالاً خارج حدود العقار 3689 ضمن الأملاك العمومية، كردم البحر وإقامة جلول ومنحدرات، تمتدّ على ما يقارب 30 متراً على الأملاك العمومية وعلى امتداد طول العقار، دون الحصول على أي ترخيص خاص واستثنائي، وكأن الشركة تتعامل مع الأملاك العمومية باعتبارها امتداداً لأملاكها الخاصة.
5- مخالفة رخصة البناء على العقار 3689 للمرسوم رقم 2366/2009 المتعلق بترتيب الأراضي اللبنانية، والذي صنّف الشواطئ الرملية ضمن الأملاك العمومية وجعلها مفتوحة للعموم، كما اعتبر كلاً من الواجهة البحرية في عين المريسة وصخرة الروشة وخليجها الصغير وشاطئ الرملة البيضاء، مواقع مميزة في بيروت يستوجب حماية خصائصها الطبيعية من المشاريع العقارية والإنشائية التي قد تشوه معالمها. وتالياً إن عدم مراعاة الرخصة لهذه الخصائص يستوجب إبطالها.
6- مخالفة قانون حماية البيئة 444/2002، والمرسوم 8633/2012 لجهة عدم استحصال المشروع على دراسة الأثر البيئي، خصوصاً أن الدراسة المرفقة بملف الرخصة والمنجزة في عام 2013 هي لمشروع قديم ومختلف كانت شركة أخرى (إيدن روك وليس إيدن باي) تنوي تشييده على العقارات 3687 و3689 وبمساحة تبلغ نحو 23 ألف متر مربع. كما أن الأخذ بالدراسة القديمة باطل، كون دراسة تقييم الأثر البيئي تبقى صالحة لمدّة سنتين في حال لم تتم المباشرة بالمشروع، فيما رخصة البناء الأولى للمشروع الراهن تم الاستحصال عليها في عام 2016.
7- تعدي البناء قيد التنفيذ على الأملاك العمومية، بحسب ما تظهر الصور الملتقطة له بعد المباشرة في التنفيذ، والتي تبيّن أعمال الحفر والردم ضمن هذه الأملاك، خلافاً لكتاب المديرية العامة للنقل البري والبحري رقم 1123/6 الموجه إلى الشركة في آذار الماضي، والذي ينص على «عدم جواز التعدي على الأملاك العمومية المتاخمة للعقار، وإلّا وجب توقيف الأعمال فوراً وإلغاء الموافقة عليها ووضع إشارة على العقار، وملاحقة الشركة جزائياً». علماً أن نتيجة هذه الأعمال، باتت الطبقتان السفليان الأولى والثانية مكشوفتين، بما لا يسمح بردم الطبقة السفليّة الأولى كما هو مبيّن في رخصة البناء، كون جدارها مقاماً من حجر الخفّان ومستوى الأرض الطبيعيّة في العقارات المتاخمة لا تسمح بذلك، ما يعني دخول هذه الطبقة ضمن حساب مساحات الاستثمار، كون صاحب المشروع يريد الحفاظ عليها مكشوفة من جهة البحر لإقامة شاليهات أسوة بالطبقات العلوية.
منافع إضافية
8- يتبيّن من أوراق الترخيص أن البناء موجود على وحدة غير قابلة للتجزئة للعقارين رقم 3687 و3689، الأمر الذي دفع البلدية للتعامل مع الوحدة العقارية وكأنها عقار واحد، مع ما يستتبع ذلك من منافع إضافية وفق قانون البناء، إلّا أن مالكي العقار أزالوا الوحدة العقارية بموجب عقد مؤرخ في 24/11/2016 وتم ترقين الوحدة العقارية في 13/1/2017، ما يعني أن الشركة تعمّدت إخفاء هذه المعلومة، وهو ما يشكّل سبباً لإبطال الترخيص كونه أدى إلى زيادة عامل الاستثمار بنسبة 20%.
ويستنتج من ذلك أن مساحة البناء في المشروع تتخطّى المساحة المسموحة وفقاً لمعدل الاستثمار العام المحدّد للمنطقة، إذ اكتسب نحو 4218 متراً مربعاً من الطبقة السفليّة الأولى المكشوفة، و1033 متراً مربعاً من الوحدة العقارية، أي ما مجموعه 5251 متراً مربعاً، ونتيجة ذلك بنى أكثر من ضعفي مساحات البناء القانونية المسموحة في المنطقة، خلافاً لشروط التنظيم المدني والإدارة السليمة للأراضي الوطنية.