لا يترك الرئيس سعد الحريري مناسبةً إلا ويتحدث فيها عن المؤسسة العسكرية ودورها ومسؤوليتها في الحفاظ على الإستقرار. هذا الموقف تأكَّد في مستهل جلسة مجلس الوزراء هذا الأسبوع وفي الإجتماع الذي تلاه لبحث مسألة النازحين، فأكد على أهمية الدعم الكامل للجيش اللبناني وقال إنَّ الجيش يقوم بمهماته بمحاربة الإرهاب والحفاظ على أمن المواطنين والإستقرار في كل المناطق، لافتاً إلى تحقيق شفاف تجريه المؤسسة العسكرية لجلاء ملابسات وفاة بعض الموقوفين.
كلام رئيس الحكومة هو رسائل غير مشفَّرة في أكثر من اتجاه عما يُحكى عن قرب معركة عرسال.
***
هناك وجهتا نظر في البلد:
وجهة نظر تقول إنَّ معركة عرسال اقتربت وإنَّ المسألة مسألة أيام، فيما وجهة النظر الثانية تقول إنَّ المعركة دونها صعوبات ومعوقات وعقبات.
وبين وجهتي النظر، ماذا تقول المعطيات؟
***
معطيات وجهة النظر الأولى تقول إنَّ المعركة اقتربت جداً، وإنَّ المسألة مسألة تفاصيل تقنية لميدانيات المعركة. الواضح أنَّ المشاركة فيها ستكون لحزب الله من الجانب اللبناني، ومن الجانب السوري هناك الجيش السوري.
ويأتي خيار المعركة بعدما توقفت المفاوضات بسحب مسلحي داعش من جرود عرسال، ومجموعات المسلحين يصل عددهم إلى نحو ألفي مقاتل. المفاوضات كانت تدور حول إمكان انسحاب المسلحين مع أسلحتهم الفردية إلى منطقة إدلب، أو تسليم السلاح والإتفاق مع النظام والعودة إلى الداخل السوري، أو تسليم السلاح والإنضمام إلى مخيمات النازحين.
كل هذه النقاط سقطت ليتبيَّن أنَّ لا نضوج للمفاوضات وأنَّ طبول المعركة هي الأقرب.
ويعتبر مؤيدو خيار المعركة أنَّ ضرب الإرهاب في جرود عرسال يضع حداً للحالة المتفلتة في تلك الجرود من ستة أعوام.
***
في المقابل، هناك وجهة نظر معاكسة تماماً، تنطلق من أنَّ هناك جيشاً لبنانياً، وهو الذي يؤمن الحدود وهو الذي يعرف الطرق المناسبة وهو الذي يتمسك بالقوانين المرعية الإجراء ويعرف الإتفاقات الدولية والمواثيق والمعاهدات ويتمسك بها، ولذا فإنَّ أي خروج عليها هو بمثابة إحراج للبنان في علاقاته الإقليمية والدولية.
إنطلاقاً من هذا المعطى فإنَّ كثيرين يرون أنَّه لا يحقُّ لأحد التقدم على قرار الحكومة اللبنانية والتقدم على خيار الجيش اللبناني، ويعتبر هذا الفريق أنَّ الدولة اللبنانية هي التي تحدد خططها السياسية والعسكرية والأمنية، من دون إذن من أحد ومن دون تدخل من أحد، ويعتبرون أنّه في حال تمَّ الخروج على هذه القواعد فإنَّ الإستقرار السياسي يمكن أن يهتز ويكون البلد قد دخل في دوامة لا يُعرَف كيف يخرج منها.
***
هذا الفريق يحسم الجدل فيقول:
لدينا مؤسسة عسكرية على رأسها قائد خرج من صفوفها من وراء المتاريس وليس من وراء المكاتب، وهو يتقدَّم ضباطه وعسكرييه ويعرف متى يجب على الجيش أن يضرب ومتى يجب أن يكتفي بالإستعداد.
***
وفي الإستنتاج:
هناك ثلاثة مستويات على مستوى القرار الرسمي اللبناني، وهذه المستويات هي التي توحي بثقة الإستقرار الثابت والقرار الملائم للبنان:
المستوى الأول قرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بصفته، وفق الدستور، القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهذه الثقة تكتسب أهمية قصوى خصوصاً أنَّ العماد عون يأتي من خلفية عسكرية بصفته كان قائداً للجيش على مدى ستة أعوام.
المستوى الثاني الثقة بالقرار السياسي لرئيس الحكومة.
أما المستوى الثالث فهو الثقة بالخيار العسكري لقائد الجيش، خصوصاً أنَّ العماد جوزيف عون كان متسلِّماً منطقة عرسال قبل أن يتم اختياره قائداً للجيش.
وفي المحصِّلة، الوضع اللبناني لا يحتمل دعسات ناقصة هو في غنى عنها.