تظهر الوقائع اليومية، الحسية الملموسة، ان الافرقاء السياسيين اللبنانيين، في غالبيتهم الساحقة، يعيشون في «عالم آخر» غير عالم المعاناة المتعددة العناوين والمضامين التي يعيشها اللبنانيون، على اختلاف انتماءاتهم وتوزعاتهم ولا يملكون سوى اطلاق الوعود بانجازات «اصلاحية» و»تغييرية»، مطلوبة وبالحاح، وعلى كل المستويات، من دون ان يتحقق أي شيء من ذلك، على أرض الواقع، أقله حتى الآن..؟! ويضيّعون الوقت في البحث عن «جنس الملائكة» وأيهما أولاً «بيضة» الاصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وتقويم الاعوجاجات التي تراكمت والتردي المعيشي الذي هبط الى أدنى المستويات، أم «دجاجة» التحديات الأمنية المتزايدة التي هي في جزء كبير منها نتاج تداعيات ما يجري في المحيط الاقليمي المباشر، وتحديداً سوريا، والموزعة بين «مخاطر النزوح» و»مخططات الجماعات الإرهابية..» غيرها..؟!
في قناعة عديدين ان ما آلت اليه الاحتقانات السياسية قطع الطريق أمام أية انجازات اصلاحية، وما يجري على صعيد ممارسة الحكم، سواء في رئاسة الجمهورية أم مجلس الوزراء، وتعطيل عمل السلطة التشريعية – الرقابية، لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج ما يتطلع اليه البعض لادخال تعديلات جوهرية في «اتفاق الطائف»، وهو مرشح للمزيد من الاحتقانات على خلفيات قد يعيد البلد الى أجواء احتقانية سابقة لم تكن نتائجها هينة على لبنان واللبنانيين؟!
النازحون السوريون هم أبناء شعبنا، والنزوح الى لبنان لم يكن خياراً هينا يمكن القبول به او رفضه بل هو نتيجة لواقع «الحرب الكونية» التي تدور على أراضي بلاد الشام.. وما بين لبنان وسوريا وحدة حياة ووحدة مصالح ووحدة مصير.. وما يصيبهم يصيبنا وما يصيبنا يصيبهم على ما دلت الوقائع التاريخيه، التي تبقى أقوى وأهم من كل الاستعراضات والمواقف من هذه المسألة الانسانية.. فليس كل النازحين عناصر في الخلايا الارهابية النائمة، ولا أعضاء في الجماعات التكفيرية.. والغالبية الساحقة هم من أكثر المتضررين من زرع هذه الخلايا بينهم..؟!
لا يعني ذلك، ويجب ان لا يعني ان يدير لبنان ظهره لما يجري ولما يمكن ان يحصل من تطورات.. «فليس كل من قال ابتي ابتي يدخل ملكوت السموات..» خصوصاً مع تصاعد السيناريوات التي تتحدث عن مواجهات عسكرية محتملة في جرود عرسال بين الجيش اللبناني والجماعات الارهابية المسلحة، التي ازداد عديدها في الجرود بفعل التطورات الميدانية في الساحتين السورية والعراقية والهزائم المتلاحقة بـ»داعش» والعديد من اخواتها..» وذلك على رغم استمرار عودة أفواج من نازحي عرسال الى بلداتهم وقراهم في الداخل السوري وتحديداً عسال الورد..
ليس من شك في ان لبنان وان كان في عين العاصفة، فهو يعيش حالة من الاستقرار والهدوء يمتاز بها عن سائر الجوار.. ليس لأن الطامعين بلبنان شراً اتخذوا قراراً بعدم تعريض البلد لأي خلل او خضات أمنية والامتناع عن تفجير الوضع في الداخل، بل لأن هناك جهوداً جبارة يقوم بها الجيش اللبناني، وسائر الأجهزة الأمنية والعسكرية، في ملاحقة ومتابعة هذه الشبكات الإرهابية – التخريبية ٢٤-٢٤، ومموليها وداعميها ومسهلي دخولها الى لبنان وحاضنيها، سواء كانوا أفراداً او جماعات.. وقد بينت التطورات والتحقيقات التي أجرتها مخابرات الجيش وقوى الأمن العام، أنه لو قدر لهذه «الجماعات الإرهابية» و»الخلايا النائمة» ان تفعل فعلتها لكان المشهد اللبناني غير المشهد اليوم.. الأمر الذي عزز قناعة عديدين، وبالوقائع، ان الجهود التي بذلتها المؤسسة العسكرية وسائر المؤسسات الأمنية بالتعاون والتنسيق مع عديدين.. خففت كثيراً من مخاطر ما كانت تنوي هذه الجماعات تنفيذه على مختلف الاراضي اللبنانية، من عمليات انتحارية وتفجيرات.. من دون ان يعني ان المسألة انتهت وان المخاطر لم تعد موجودة فاحتمال التصعيد وزعزعة الاستقرار وارد في كل لحظة.. والأنظار، تتجه الى جرود عرسال حيث الوجود الأبرز لهذه الخلايا والجماعات الوافدة في معظمها من الداخل السوري.. الأمر الذي عزز من استنفار الجيش واستعداداته لمواجهة ما يمكن ان يحصل ويشكل خطراً على الأمن الوطني.. وقد تعزز للمؤسسة العسكرية القرار السياسي الداعم، كما الاحتضان الشعبي العابر لحدود الطوائف والمذاهب والمناطق..
في قناعة البعض ان جرود عرسال باتت «مشكلة حقيقية».. وان هناك أكثر من مؤشر الى قرب المعركة.. «وأن تطورات المعركة ضد «داعش» في العراق وسوريا ستكون لها تداعيات مباشرة على الوضع في لبنان..» وان على لبنان ان يكون على جانب كبير من الحذر والاستعدادات، بالنظر لما يمكن ان تكون عليه التداعيات، وعلى الأطراف اللبنانيين كافة.. كما ان في قناعة آخرين «ان لبنان اليوم أمام مواجهة حقيقية.. وان قيادة الجيش، على ما يظهر، أتمت كل الاستعدادات لانجاز عملية ما في جرود عرسال.. لأن المسألة باتت قدرة الجميع على الاحتمال والصبر وتمرير ما يجري وكأنه في عالم آخر..
يبقى السؤال: هل سيكون الجيش اللبناني وحيداً في المواجهة، وهو الذي حظي بغطاء سياسي وشعبي وروحي غير مسبوق على هذا القدر؟
تؤكد مصادر متابعة ان الجيش سيكون وحيداً في الميدان.. وان الفرصة قد تكون متاحة أمامه لتنفيذ عمليات استباقية – نوعية.. وأنه عندما تقوم الدولة بتحمل المسؤوليات فإن ذلك كان لقطع الطريق على المزايدين ومصطادي الفرص.. خصوصاً وأن غير خبير عسكري ومطلع، يؤكدون على أنه، وبناء على ما ورد في كلمة السيد حسن نصر الله قبل أيام، فإن «حزب الله» ليس في وضع يسمح له بالقوطبة على الدولة والمضي في سياسة التفرد بقرار الحرب والسلم..؟!