Site icon IMLebanon

معركة التشبيح السياسي وأحلام التشبيح الاقتصادي

 

محنة لبنان من شغل أيدينا، وان ساهمت ظروف المنطقة في صنعها. ولا مبرر لتكبير الرهانات على مؤتمر سيدر، بصرف النظر عن أهميته وحاجتنا اليه وحرص خمسين دولة ومنظمة على مساعدتنا بدفع من فرنسا. فنحن في أسوأ معركة انتخابية عرفها لبنان منذ الاستقلال. وأقل سيّئاتها ما نراه من تشبيح سياسي على الناخبين. واذا كان التشبيح السياسي حرفة سهلة، فان التشبيح المالي والاقتصادي لعبة عبثية ومكشوفة قبل سيدر وبعده، سواء بالنسبة الى الوعود المقدمة الى الداخل ضمن الحمى الانتخابية أو بالنسبة الى الوعود المقدمة الى الخارج.

ذلك ان الكل يعرف صعوبة تحقيق الاصلاحات الجدّية المطلوبة منّا ولنا والتي كانت ولا تزال في طليعة بنود المشاريع المعلنة على الورق لقوى لبنانية. ولا فرق في النتيجة بين عجز قوى عن تنفيذ ما تطالب به وبين رفض قوى مؤثرة أي اصلاح له معنى لأنه ضد مصالحها. إذ كيف يمكن ان يعمد المستفيدون من الأزمة الى تغيير الوضع الاقتصادي الذي يحصل فيه ١٥% من اللبنانيين على ٥٧% من الدخل القومي و٥٠% من السكان على ١٠% من الدخل حسب دراسة في البنك الدولي؟ ما هي هذه الموازنة التي ذهبنا بها الى باريس والتي تخصص ٢١ مليار دولار من أصل ٢٣ مليارا لخدمة الدين والرواتب والأجور وعجز الكهرباء؟ ومن يجرؤ على اصلاح السياسة الضريبية الظالمة المستمرة منذ الاستقلال؟

 

ليس أكثر من الوعود بمحاربة الفساد سوى الفساد الذي يبقى ضد مجهول لا يحاسبه أحد. فنحن نقترض للاستمرار في الهدر والفساد والمحاصصة. ونحن نذهب الى سيدر بحثا عن استثمارات وقروض ميسّرة لتغطية عجز السلطة بكل أطيافها وعلى مدى عقود عن تطوير البنية التحتية من كهرباء وماء وطرق وسواها على الرغم من وصول الدين العام الى ثمانين مليار دولار وانفاق ما هو أكثر منها في اللاموازنات على مدى عقد. وليس أصعب من ان يمنعنا المجتمع الدولي الحريص علينا من الاستمرار في السياسات التي تراكم الأزمات وتزيد ثروات النافذين كما من ممارسة الهدر والرشوة والفساد سوى ان نمتنع نحن عن ذلك، بصحوة ضمير. أليس بناء مشروع الدولة بالمعنى الحقيقي، لا في الخطابات، هو نوع من قطع أرزاق الفاسدين والمرتشين وأهل الحصص والصفقات؟ ومن يتوقع ان يتوب هؤلاء؟

كل التجارب خلال الحرب وبعدها أكدت ان موت لبنان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ممنوع بما نسميه عادة اجماع عواصم القرار الدولي، وان كان تحسين شروط حياته مسألة فيها نظر. لكن المجتمع الدولي يقف عاجزا اذا أردنا الانتحار. ولن يخرجنا أحد من المحنة ان لم نخرج نحن.