Site icon IMLebanon

معركة حدود بين الأطلسي و«الدولة الإسلامية»

يواجه حلف شمال الأطلسي حالة نزاع غير مألوف بين روسيا وتركيا، بعدما أسقطت أنقرة الطائرة الروسية على الحدود السورية ـ التركية. إنها معركة حدود بين الحلف الأطلسي الذي تحتمي به تركيا، حيث للحلف 24 قاعدة عسكرية، وتنظيم «الدولة الإسلامية» الذي تدعمه أنقرة وتوفر له الممر الآمن إلى سوريا. للحلف الأطلسي دور رادع غير معلن في الأزمة بين تركيا وروسيا، على رغم الاستياء الدولي من سياسة الرئيس أردوغان الداعمة للتنظيمات الإسلامية المتطرفة.

واشنطن تبنّت الرواية التركية لحادثة إسقاط الطائرة الروسية وهي حريصة بالدرجة الأولى على تماسك الحلف الأطلسي، الأداة العسكرية الأهم لواشنطن بعد القوات المسلحة الأميركية. وعلى رغم التنسيق بين روسيا وتركيا لتجنّب الصدام العسكري، إلا أن أنقرة أرادت توجيه رسالة لا يعرف مغزاها سوى أطراف النزاع أنفسهم، وهي تعلم أن دخول المقاتلات الروسية المجال الجوي التركي لم يكن بنيّة الاعتداء، بينما إسرائيل أقرّت بخرق المقاتلات الروسية مجالها الجوي ولم تقم بأي رد.

موسكو تلقت ضربتين في غضون أيام، واحدة من تنظيم «الدولة الإسلامية» أسقطت طائرة مدنية في سيناء، وأخرى من الدولة التركية بإسقاط الطائرة العسكرية، وهي تستعمل أدوات الضغط التقليدية، الاقتصادية والسياسية، وتحصّن دفاعاتها الجوية في مواجهة تركيا. إمكانية الصدام لا تزال واردة، ولن تستقيم الأوضاع بين موسكو وأنقرة مع تفاقم الأزمة السورية، وقد تشكّل دافعاً لتمتين علاقات موسكو مع طهران.

تأسّس حلف شمال الأطلسي في 1949 مع بدايات الحرب الباردة، وتوسّع تدريجياً ليضم الآن 28 دولة. شكّل «الأطلسي» الذراع العسكرية الاستراتيجية للمعسكر الغربي في مواجهة الاتحاد السوفياتي الذي أنشأ تحالفاً عسكرياً موازياً، «حلف وارسو» في 1955. والمفارقة أن الحلف الأطلسي لم يتحرّك عسكرياً إلا بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي: في البوسنة ويوغوسلافيا السابقة، ولاحقاً في أفغانستان وفي مهمات محددة في العراق وأماكن أخرى. آخر عمليات «الأطلسي» العسكرية شهدتها ليبيا في 2011، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 1973 لفرض حظر جوي، تمّ تجاوزه من الولايات المتحدة ودول أخرى على رغم اعتراض عدد من الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي، أبرزها ألمانيا وتركيا وإسبانيا وبولندا، ومعارضة موسكو التي اعتبرت أن واشنطن استعملت قرار مجلس الأمن غطاءً لإطاحة النظام الليبي. أما في الأزمة السورية، فإنها المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تقف فيها روسيا مع الدول الغربية صفاً واحداً في مواجهة عدو مشترك يتمثل اليوم بالتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا.

ما من طرف دولي يسعى إلى افتعال حرب عالمية عبر الأزمة السورية. عالم اليوم، بتوازنات الترسانة النووية، لا يشبه عالم ما قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية. سوريا ليست سراييفو الحرب العالمية الأولى أو بولندا الحرب العالمية الثانية. إلا أن الأزمة السورية ومحاربة الإرهاب لن تنتهيا بمعادلة الربح السويّ لجميع الأطراف المشاركة في المعركة، وآخر المنضمين إليها فرنسا بعد اعتداءات باريس الإرهابية.

اللافت أن توازنات النظام العالمي في حقبة ما بعد الحرب الباردة تتبلور هذه المرة انطلاقاً من الشرق الأوسط لا من أوروبا، أرض الصراع التقليدي بين الدول الكبرى منذ القرن التاسع عشر. أزمة أوكرانيا تراجعت أهميتها بالمقارنة مع الحرب العالمية على الإرهاب التي بدأتها الولايات المتحدة في السودان ولاحقاً في أفغانستان بعد اعتداءات 11 أيلول، وتتابعها روسيا ودول أخرى في العراق وسوريا. الغائب الأكبر في المقاصة الدولية هو العالم العربي، ضيف الشرف في معادلتي الحرب والسلم في المنطقة. مصر منهمكة بهمومها الداخلية والسعودية منشغلة بحرب اليمن، والمشرق العربي في أتون حروب مدمرة. سواء كانت معركة حدود أو معركة بحدود، فالحروب تُخاض على أراض عربية لمصلحة الغير أكثر مما هي لمصلحة المعنيين من أهل البلاد وأصحاب القضايا الكبرى والصغرى.