لا صوت يعلو فوق صوت معركة مفتي المناطق في دار الفتوى، حيث يختلط حابل الإصلاحات في المؤسسات الدينيّة بالتدخلات السياسيّة. التحضيرات تجري على قدمٍ وساق لإنجاز الاستحقاق في 18 كانون الأوّل المقبل
صادقت اللجنة القضائيّة في دار الفتوى، في جلسةٍ عقدتها الأسبوع الماضي، على ملفّات 27 مرشحاً إلى انتخابات مفتي المناطق ورفضت ستة منهم لمخالفتهم المادة 28 (نقص في الملف أو عدم تلبية الشروط كالسنّ مثلاً…) من المرسوم 18/1955 الذي ينُظّم شؤون الدار. وقد أثار عمل اللجنة انتقادات في أوساط المشايخ واتهامات بالتدخّل في سير العملية الانتخابية بعدما صادقت على ملف ترشيح أحد أعضائها ورفضت ترشيح أحد خصومه، إضافة إلى مخالفة تمثّلت في عدم نشر لوائح الشطب قبل فترة من موعد الانتخابات.
على أيّ حال، وضعت دار الفتوى الانتخابات على السكّة، ومعها فُتح باب التدخلات السياسية في المناطق التي تمت دعوة هيئاتها الناخبة، وهي عكار وطرابلس وزحلة وبعلبك – الهرمل وراشيا وزحلة وحاصبيا – مرجعيون.
ورغم أن الهدف الأول للانتخابات، على ما تؤكّد مصادر مطّلعة، هو تقليص سيطرة تيار المستقبل على المؤسسة الدينيّة، يعمل التيار في المقابل لتأكيد سطوته على الهيئة الناخبة وإثبات أنه لا يزال قادراً على «صناعة» أكثر من مفتٍ في المناطق.
المعركة الأهم ستكون في طرابلس، حيث تتداخل الاعتبارات السياسيّة بالشخصيّة مع كثرة المرشحين (7)، فيما المطّلعون يشيرون إلى أنّ المرشحين الجديين هم: محمد إمام وسمير كمال الدين وبلال بارودي.
بحسب مصادر مطّلعة، فإن بارودي وكمال الدين من الشخصيات التي ترغب السعوديّة بوصولها إلى منصب الإفتاء، مع أرجحية للأخير بسبب قربه من المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان، فيما يستقطب بارودي المتشددين بخطاب طائفي يتقاطع مع مواقف السفارة السعوديّة، ويحظى بدعم النائب أشرف ريفي.
المشايخ المقربون من المملكة ينفون أن تكون السفارة السعودية في بيروت قد سوّقت لاسمٍ أمامهم، لكن ذلك لا يعني أن التسويق لن يحصل مع اقتراب المعركة.
مع ذلك يعتبر آخرون أنّ لإمام حظوظاً أعلى من المرشحين الآخرين، إذ إنّ مفتي طرابلس بالوكالة ليس بعيداً عن المملكة وأفكارها الدينيّة، كما يحظى بدعم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يمتلك تأثيراً مباشراً على عدد من القضاة والمشايخ. كما لا يعارض النائب فيصل كرامي وجمعية المشاريخ الخيريّة وبعض الجمعيات الإسلامية الأُخرى السيْر باسمه. في المقابل، يشدّد متابعون على أنه لا يُمكن توقّع نتائج المعركة سلفاً، إذ إن كثيرين من أعضاء الهيئة الناخبة قد لا يسيرون وفق رغبات السياسيين.
انقسام مستقبلي بقاعاً
في زحلة، يتنافس أربعة مرشحين هم خالد عبد الفتاح وطالب جمعة وعبد الرحمن شرقيّة وعلي الغزاوي. غالبية الترجيحات تميل إلى مصلحة الغزاوي الذي «يشبّك» مع أكثر من جهة ويحظى بتأييد بين المشايخ ورؤساء بلديّات المنطقة. وكان المفتي الراحل خليل الميس أصرّ على تسليمه أوقاف الأزهر في البقاع لـ«نظافة كفه» كما كان يُردّد. مع ذلك، لا يخفي بعض أعضاء الهيئة الناخبة معارضتهم لوصول ابن بلدة غزّة إلى سدّة الإفتاء، باعتبار أنّ البلدة، بذلك، «تُكوّش» على كلّ المناصب من النيابة (النائبان حسن مراد وياسين ياسين) إلى الإفتاء.
في المُقابل، يمتلك شرقيّة هو الآخر حيثيّة مهمة في الهيئة الناخبة، ولا سيّما لدى رؤساء بلديّات ومشايخ البقاع الأوسط، إذ تجمعه بهؤلاء علاقات جيدة بعدما عمل سابقاً إماماً في عددٍ من المساجد.
أما طالب جمعة الذي وعده الرئيس سعد الحريري بأن يكون خلفاً لوالد زوجته المفتي الميس، فتبدو حظوظه أقل بكثير بعد وفاة الميس و«تعليق» الحريري عمله في السياسة. ويتردّد أن اتصالات حثيثة تجري بين جمعة وشرقية كي ينسحب أحدهما للآخر، ما يشكّل تهديداً جدياً لحظوظ الغزاوي، فيما يعمل الوزير السابق عبد الرحيم مراد على دعم التوافق بين المرشحين للخروج باسمٍ واحد قبل موعد الانتخابات. وفي وقت يدعم آل مراد ترشيح الغزاوي، ينقسم القضاة والمشايخ ورؤساء البلديّات المحسوبون على تيار المستقبل بين المرشحين الثلاثة الآخرين.
في حاصبيا ومرجعيون، يبقى المفتي الحالي بالوكالة الشيخ حسن دلي الأقوى في مواجهة المرشحَين عماد الخطيب وفادي نصيف. ودلي، ابن بلدة شبعا يحظى بشعبية واسعة ويملك علاقات أخطبوطيّة في الهيئة الناخبة ومع القوى السياسيّة، ولا يُخفي تيار المستقبل دعمه له، بل يعتبر بعض المحسوبين على التيار أن معركة دلي هي معركتهم الأساسيّة. ومع وضع مسؤولي المستقبل ثقلهم في الاستحقاق، يرجّح متابعون انسحاب الخطيب لمصلحة دلي في اللحظات الأخيرة.
التنافس في عاصمة الشمال ينحصر بين مقربين من السعودية
قلّة عدد أعضاء الهيئة الناخبة في راشيا (19) تشي بأن الأمر محسوم لمصلحة المرشح وفيق حجازي صاحب الحظوظ الأعلى في مواجهة المرشحَين أيمن شرقية وجمال حمّود. لذلك، لا مؤشرات لمعركة حقيقية في المنطقة مع توجّه بالذهاب إلى تزكية حجازي قبل موعد الانتخابات، خصوصاً أنّه يملك الأكثرية الساحقة من أصوات الهيئة.
وكما في راشيا كذلك في بعلبك – الهرمل حيث يتنافس ثلاثة مرشحين هم أيمن الرفاعي وسامي الرفاعي وعلي حسن. والمُرجّح للفوز، بقوة، هو المفتي السابق أيمن الرفاعي المعروف ببكر الرفاعي مع الحديث عن إمكانية انسحاب حسن. ويمتلك الرفاعي حضوراً في منطقته وتربطه علاقات وطيدة مع كل القوى ويمتلك عدداً لا بأس به من الداعمين في الهيئة الناخبة التي يصل عدد أعضائها إلى 25، إضافة إلى دعمٍ واضح من تيار المستقبل الذي يعتبره قريباً منه. كما يُعرف عنه قربه من السعوديّة، إذ إنّ المفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني عيّنه مفتياً عام 2013 في عز المواجهة مع تيار المستقبل. واعتُبر تعيينه يومها تقرّباً من قباني إلى السعوديّة.