مسار المفاوضات بين ايران ومجموعة ٥١ على الملف النووي كان محكوماً من البداية بخيار الاتفاق في النهاية ولو تأخرت. فلا أحد يذهب الى مثل هذه المفاوضات من دون أن يحسب الفارق بين ثمن النجاح وكلفة الفشل. ولا أحد بين اللاعبين على حافة الهاوية يريد الوقوع فيها. واذا كان رفع السقوف والتلويح بالمخاطر وتجاوز المهل المحددة للاتفاق من تقاليد التفاوض، فان قانون اي تفاوض هو قوة الحوافز والجوائز وما كان الجنرال ديغول يسميه الوصول الى خلاصة وربح شيء ما. ومن المألوف ان يسارع البعض الى تسجيل الارباح والخسائر، وإن كانت التجارب وتعقيدات الأوضاع تسكب ماء بارداً على الرؤوس الحامية وأصحاب الحسابات المبسطة للمواقف.
ذلك ان الاتفاق النووي محطة مهمة على طريق جديد مملوء بالمحطات المفترضة لاتفاقات اخرى. فليس قليلا عدد الملفات التي تصرف كثيرون على اساس انها اوراق في لعبة التفاوض النووي، وراهنوا على تسويات لها بعد الاتفاق. ولا عدد الذين يسخرون من خطاب واشنطن وطهران عن حصر البحث في الملف النووي من دون أي ملف اقليمي، ثم من قول وليم بيرنز نائب وزير الخارجية الأميركي سابقا والذي لعب دورا مهما في المفاوضات، انه لا يتصور ان تقود صفقة نووية سريعا الى انهاء التوتر مع طهران حول قضايا المنطقة او الى تطبيع العلاقات الأميركية – الايرانية او ان القيادة الايرانية ستتحول بليلة واحدة من قوة اقليمية ثورية الى قوة طبيعية. فالانطباع السائد هو ان المفاوضات شملت ملفات عدة على هامش الملف النووي، وان كل شيء رهن الصفقة بين واشنطن وطهران. والسباق هو بين الذين يتصور كل منهم ان تسوية ملفه هي الاسهل والاسرع.
لكن صورة النظام الاقليمي الجديد لم تتبلور بعد. وما أكثر الاسئلة التي تبحث عن اجوبة في المنطقة واميركا واوروبا: هل وصلت حقبة الممانعة الى نهايتها ام ان المواجهة ستستمر مع الاستكبار كما يقول المرشد الاعلى علي خامنئي؟ هل ستكون ايران قوة اقليمية ناجحة جداً تلتزم المعايير الدولية، كما يتوقع الرئيس باراك اوباما ام تستخدم مصادرها ورفع العقوبات عنها وعلاقاتها الجديدة في تكبير مشروعها على خارطة المنطقة؟ اي حجم للتعاون بين اميركا وايران في ترتيب الادوار والحصص في النظام الامني الاقليمي، ومن بينها ادوار تركيا والسعودية واسرائيل؟ ماذا عن حرب سوريا وحرب العراق وحرب اليمن، والفراغ في لبنان؟ ومن سيفوز بحصة الاسد في السباق على السوق الايرانية بين اميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا وهي الطرف الآخر في الاتفاق؟
والسلسلة طويلة.