تأليف الحكومة ليس مجرد عملية حسابية بسيطة مبنية على نسبية الأوزان والأحجام النيابية. وما جرى تصويره كأنه مفتاح الحلّ تكشّف في المسار عن قفل ثقيل في باب الأزمة. فلا قاعدة الأوزان والأحجام حالت دون ظهور عقد مستعصية فشلت اللقاءات على كل المستويات ومع الجميع في تفكيكها. ولا هي، اذا طال التعقيد في منأى عن الاصطدام بأسئلة محرجة كانت مطويّة.
ماذا لو انتقل الثنائي الشيعي من التلويح باعادة الحسابات الى المطالبة بأكثر مما قبل به، وهو ستة وزراء حصة الطائفة الشيعية، على أساس ان قاعدة النسبية تعطي نوابه الثلاثين الحق في مناصب أكثر؟ ماذا لو ارتفعت أصوات تطالب بالتوسّع في تطبيق قاعدة النسبية في الأوزان والأحجام من داخل الطوائف والمذاهب الى المسيحيين والمسلمين كطائفتين؟ أليس في ذلك تراجع عن مبدأ مهمّ في اتفاق الطائف وهو المناصفة بين الطائفتين من دون نظر الى العدد، والتطور الديموغرافي؟ وماذا عن وزن لبنان في معركة الأوزان والأحجام، وسط التخوّف من ان يقلّ وزن البلد بمقدار ما تزداد أوزان الزعامات؟
مهما يكن، فإن معاودة السجالات والمعارك بين الحلفاء والخصوم بعد كل محاولة للتهدئة ليست خطوة عشوائية من دون قصد أو تخطيط. والانطباع السائد هو ان العقد المسيحية والدرزية والسنية الظاهرة مرتبطة، الى جانب أسبابها، بسبب أكبر تختصره عقدتان: واحدة هي حسابات الانتقال للمرة الأولى منذ الطائف الى حكومة لها موازينها تسمّى حكومة العهد. وأخرى هي رهانات على انتصارات محور الممانعة والمقاومة في اليمن والعراق وسوريا وحصوله على ٧٤ نائبا في لبنان حسب الجنرال قاسم سليماني، وبالتالي تأليف حكومة تكرّس الانتصارات وترافق التحوّلات في المرحلة المقبلة وتكون نوعا من حكومة الممانعة والمقاومة. لا بل ان الذين بدأوا التكيّف مع نظرية حكومة العهد الأولى يرون انهم يصطدمون بطموحات لتشكيل حكومة عهدين، أي حكومة تخدم عهدا وتمهّد لعهد آخر.
شيء غريب. كأن عهد الرئيس القوي هو عهد انتقالي وكأن الانتصار الظاهر لمحور اقليمي كرّس نهاية التاريخ في المنطقة، فلا تطورات ولا رمال متحرّكة ولا دور للروس سوى خدمة المحور الاقليمي، ولا مفرّ من تثبيت الانتصار الاقليمي بحكومة معيّنة في لبنان.
واذا صحّ ان العقد داخلية، ولا عقدة خارجية، كما قال الرئيس المكلف سعد الحريري وسواه من المعنيين، فان هذا حكم بالفشل على التركيبة السياسية العاجزة حتى عن تأليف حكومة قبل الحديث عن معالجة قضايا الناس. لا بل حكم بالفشل على النظام. وما أبعد التغيير.