Site icon IMLebanon

عاصفة الحزم: بداية مرحلة عربية جديدة

يبدو أن المملكة العربية السعودية طوت صفحة سعة الصدر، وطول الأناة، والرهان على السياسة والديبلوماسية، لإقناع طهران بالإقلاع عن سياسة الاستفزازات، والتخلّي عن التمدّد المتعمّد على حساب الأمن القومي العربي، وتعريض أكثر من بلد عربي لمهاوي الفتن المذهبية والعنصرية، التي ضربت النسيج الوطني لمجتمعات عربية أصيلة بتنوّعها.

عملية «عاصفة الحزم» التي تقودها السعودية بجسارة مشهودة، قد تكون فاجأت طهران وآخرين، ولكنها كانت متوقعة بالنسبة لكثيرين، بعد الذي حصل في اليمن، واستيلاء الحوثيين على السلطة عنوة، ومطاردة رموز السلطة الشرعية، وفي مقدمتهم الرئيس عبد ربه منصور هادي.

لم يكن العمل العسكري الخيار الأول للقيادة السعودية، ولا هو قطعاً الخيار الأفضل في المقاييس السعودية المعروفة بتمسّكها بالحكمة والتروي، والإحاطة بالأمور من كافة جوانبها بعيداً عن ردود الفعل الإنفعالية.

أسابيع، بل أشهر، مضت على التمرّد الحوثي ضد السلطة الشرعية في اليمن، والذي وصل إلى حدّ الإطاحة بالعملية السياسية، واغتصاب السلطة بعد اجتياح صنعاء، وترويع سكانها بالحديد والنار، والرياض تحاول إطفاء النيران اليمنية، ودعوة كل الأطراف، بمن فيهم الحوثيين، للجلوس حول طاولة حوار في الرياض، للبحث عن صيغة حلّ سياسي، يُعيد الأمن والإستقرار إلى بلاد اليمن، التي كانت توصف يوماً باليمن السعيد.

ولكن رفض الحوثيين، واستمرارهم مع حليفهم علي عبد الله صالح، في إخضاع المحافظات الآمنة لسيطرتهم، ومطاردتهم الوقحة للرئيس اليمني بقصف المقر الرئاسي في عدن، والزحف نحو عاصمة الجنوب، وضع السعودية أمام الخيار الذي لا مفرّ منه: إستخدام القوة العسكرية لوقف الزحف الحوثي، ومنع سقوط اليمن في مصيدة النفوذ الإيراني.

* * *

لقد تحوّل اليمن في السنوات الأخيرة إلى «خاصرة رخوة» لدول مجلس التعاون الخليجي، بسبب حالة عدم الإستقرار من جهة، وتصاعد الوجود الإيراني عبر دعم جماعة الحوثيين، الأمر الذي أدّى إلى طرح المبادرة الخليجية، التي حاولت مواكبة المرحلة الإنتقالية، ومساعدة اليمنيين على تجاوز خلافاتهم القبلية والجهوية، والسياسية، والتوافق على صيغة نظام سياسي متوازن، ويُرضي كل الأطراف الوطنية.

الحوثيون اعتبروا أن اتفاق «الوفاق الوطني» يحول دون تحقيق سيطرتهم على السلطة، بعدما انصرفوا إلى استخدام القوة المفرطة، المدعومة من طهران، ضد إخوانهم في الوطن. وأكمل انقلاب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على الشرعية وعلى «الوفاق الوطني»، المشهد الدراماتيكي الجديد في صنعاء، ودفع البلاد الى حافة حرب أهلية، بدأت نيرانها تشتعل في أكثر من محافظة يمنية رفضت الخضوع للهيمنة الحوثية.

منذ استيلاء جماعة الحوثي على صنعاء، وطرد السلطة الشرعية من المقرات الرسمية قبل أسابيع، أقامت إيران جسراً جوّياً بين طهران والعاصمة اليمنية لنقل الأسلحة والمعدّات والخبراء العسكريين، فضلاً عن جسر بحري لنقل الآليات والعتاد العسكري الثقيل.

كان كل شيء في اليمن، يوحي في الأسابيع الماضية، بأن البلد سقط في القبضة الإيرانية، وجاهر أكثر من مسؤول إيراني بالإمساك بالورقة اليمنية، إلى جانب الأوراق الأخرى: العراق وسوريا، ولبنان.

* * *

«عاصفة الحزم» ليست عملية عسكرية سعودية، وإن كانت قيادتها برئاسة المملكة، لأن مشاركة عشر دول فيها أعطاها بُعدها العربي والإسلامي، والتأييد التي حظيت به إقليمياً وعالمياً، أكد أهميتها السياسية الدولية في الحفاظ على الأمن والإستقرار في منطقة استراتيجية، حسّاسة وبالغة التعقيد.

الواقع أن المبادرة السعودية الشجاعة، وضعت حداً لمرحلة التفلّت الإيراني، وسياسة التمدّد والإختراق التي اتبعتها طهران في السنوات الأخيرة، لدرجة أنه خُيّل لقادتها أنها القوة الإقليمية الوحيدة القادرة على اجتياح الخريطة العربية، في ظل سياسة التهاون العربي.

وليس من المبالغة القول أن الواقع العربي بعد عملية «عاصفة الحزم» سيكون غير ما كان عليه قبلها، وأن الوضع الإيراني قبل العملية، لن يستمر على ما كان عليه بعدها.

السعودية تقود بداية مرحلة جديدة في العمل العربي المشترك، من شأنها أن تستعيد ثقة الملايين بالنظام العربي المتجدّد.