في النصف الأول من «العهد القوي» لم ينجح «الرئيس القوي» في اجتراح «المعجزات» في «الإصلاح والتغيير» الذي وعد به اللبنانيين طيلة سنوات سبقت انتخابه، وهو لا يبدو على عجلة من أمره لإطلاق ورشة عمل جدّية تتصدّى للمخاطر الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة التي تهدد لبنان.
وللمرة الأولى منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، يلجأ خصومه إلى توجيه سهام انتقاداتهم نحوه مباشرة بسبب مواقفه بعد حادثة «البساتين» ودخوله على خطّ القضية، حيثُ اختار أن يكون طرفاً في الصراع وفي موقع الخصم لبعض الأطراف، بعد إعلانه بطريقة مباشرة أنّ المستهدف من الكمين هو الوزير جبران باسيل، متخليًا بذلك عن دوره الحيادي كمؤتمن على الدستور والقانون والعيش المشترك، ومستبقاً نتائج التحقيقات والأحكام القضائية.
وقد فُتح باب معارضة العهد، الذي بدأ يتعرّى من ثياب «التسوية الرئاسية»، بفعل تراكم أخطاء رئيس «التيار الوطني الحر» المدعوم من قاطن قصر بعبدا، ممّا يوحي بنقلة جديدة في المسار السياسي في البلد، لاسيما ان السنوات الثلاث منه قد شهدت اختلالاً في موازين القوى وتجاوزات فاضحة لأحكام الدستور واتفاق «الطائف».
ويواصل العهد محاولاته لتطويق وتطويع رئيس الحكومة سعد الحريري بدءاً من صدور بيان رئاسة الجمهوريّة الذي تناول معايير جديدة لتشكيل الحكومة، وبدعة «حصّة رئيس الجمهورية الوزارية»، والتهديد بسحب تكليف رئيس الحكومة المُكلّف، وتوقيع وزراء «العهد» و«التيار» استقالاتهم مسبقاً ووضعها بتصرُّف رئيس «التيار».
وبعدها شهد اللبنانيون محطات عدّة خُرقت فيها الأسس الدستورية أبرزها تفويض وزير ليقوم بمهام رئيس الجمهوريّة لجهة التشاور والتعاطي مع رئيس الحكومة، واجتماع وزراء «التيار» في مقر وزارة الخارجية والمغتربين في الوقت ذاته لموعد عقد جلسة مجلس الوزراء، وملف حادثة «البساتين» الذي أدّى الى «الاعتكاف» غير المُعلن لرئيس الحكومة وتعطيل انعقاد مجلس الوزراء بسبب التجاذبات حول المجلس العدلي.
وخلال النصف الأول من عهده، تغاضى رئيس الجمهورية، المؤتمن على الدستور والعيش المشترك بين اللبنانيين، عن مواقف رجال عهده المتطرفة والالغائية والتي خلقت مناخاً مشحوناً بالطائفية والمذهبية، ما قد يؤدي الى تفكيك الوحدة الوطنية، وضرب ميثاق العيش المشترك بكل مفاصله. وهو لم يضع حداً لتصرفات بعض وزرائه الذين يتعاملون مع الوزارات الموكلة إليهم كملكيات خاصة لهم أو لطائفتهم.
وإزاء توسّع المواقف الاعتراضية، عمل الرئيس عون على تدارك الهجمة السياسية، فأكد خلال كلمته في عيد الجيش أن «اتفاق الطائف يشكل المظلة لحماية الميثاق الوطني، عبر صون حقوق الجميع، وإحقاق التوازن بين مختلف شرائح المجتمع ومكوّناته. ولا يمكن أي ممارسة أو موقف، أن يناقضا روحيّته».
البعض يعتبر ان هذا الموقف دغدغة لمشاعر رئيس الحكومة ومحاولة «استعادته» إلى جانبه، بدلاً من دفعه بعيداً في اتجاه معارضي «العهد». ومن ذات المنطلق، أوحى فخامته الى الوزير باسيل بإطلاق «غزل» سياسي باتجاه رئيس الحكومة، على خلفية تسريبات بشأن استقالة وشيكة للرئيس سعد الحريري، واصفاً إياه بـ «الشريك السني الأقوى» ومستكملاً بقوله:«لا نريد لرئيس الحكومة أن يستقيل لأننا ركّبنا بلبنان – بعد غياب طويل – حكم الأقوياء وهو أكثر من يمثل السنّة ونسعى للحفاظ عليه وتقويته».
النصف الأول من «العهد القوي» الذي انقضى يُظهر في نهايته أفق معارضة سياسية تبدأ من دولة الرئيس نبيه برّي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وصولاً الى رؤساء الحكومات السابقين فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع. وقد تفرض هذه المعارضة المتنامية والمتسارعة الوتيرة قواعد جديدة للعبة السياسية لدفع العماد عون إلى التعاطي مع الجميع كرئيس للجمهورية، وليس كطرف مع فريق ضد آخر.
وإزاء توسّع المواقف الاعتراضية و«الهجوم» المباشر على «العهد»، يُفترض برئيس الجمهورية مراجعة بعض حساباته ووضع حدود للممارسات التي تستفزّ باقي الأطراف في البلد. فهل سينجح فخامته في إيجاد مخارج ترضي الأطراف كافة، ام سينجح معارضو «العهد» في تثبيت وجهة نظرهم بأنه عهدٌ فاشل، ولا يجوز استمراره في هذا الحال، ولا التمديد له من خلال تولي أي جهة محسوبة عليه زمام الأمور مستقبلاً، خصوصاً الوزير جبران باسيل الذي يعتبرونه امتداداً للعهد؟
لننتظر خيارات أطراف النزاع في المنظور القريب ليصار على ضوئها تقييم المرحلة المقبلة وقواعد التعاطي معها!