دخلت البلاد في عطلة قسرية مع توجّه المرجعيات المعنية بعملية التأليف إلى الخارج لقضاء إجازاتها الخاصة، فيما لا يزال موعد ولادة الحكومة العتيدة لا يُبشر بمواعيد قريبة… لكن الرسائل المتوجهة بمختلف الاتجاهات تظهر عمق الاختلاف بين الأفرقاء وعدم استعداد أي طرف لتقديم تنازلات فعلية تحدث خرقاً جدياً في جدار أزمة التأليف، أما المناورات التي يُطلقها البعض فهي تهدف إلى عرقلة التسويات وبالتالي فهي تستهدف، بصرف النظر إن كان استهدافاً مقصوداً أم لا، لبنان أولاً والعهد ثانياً. فالحلقة المفرغة التي تدور بها مشاورات التأليف تظهر هشاشة الاتفاقات التي أنتجت تحالفات أرادها مهندسوها أن تكون استراتيجية ولكنها أثبتت أنها آنية بما أن مفاعيلها تعطلت عند أول استحقاق. وفي حين يُعيد الرئيس عون فتح قنوات التواصل مع أطراف معضلة التشكيل عبر اللقاء بالدكتور جعجع والنائب السابق وليد جنبلاط ، مشدداً على التهدئة والتواصل لحلحلة العقد في أجواء إيجابية بعيداً عن التشنج والشحن الجماهيري، أكد الوزير باسيل ان لا تنازلات تلوح في القريب محاولاً رمي الكرة في ملعب الرئيس الحريري كالعادة وكأن مسؤولية التسهيل تقع على عاتقه دون غيره وأن فواتير التسويات لا بد أن تسدّد من رصيده الشخصي، في حين أن إنجاح العهد هو مسؤولية فريق الرئيس السياسي الذي أظهر حتى اليوم تصلباً في المواقف لم تخدم لربما إلا أصحابها بشكل مباشر، ولكنها أضرت بمصلحة البلد بشكل عام. ومثال بسيط هو أزمة الكهرباء التي لا تزال حتى اليوم تكلف الدولة خسائر طائلة بسبب الإصرار على حلول أثبتت كل الدراسات عدم جدواها بل على العكس تكبيدها الخزينة تكاليف طائلة غير مبررة! إضافة إلى النفايات التي لا تزال موضع جدل تجاوز البيزنطي في حين أن صحة المواطن هي الضحية الأولى حيث تسجل الحالات السرطانية ارتفاعاً غير مسبوق. واللائحة طويلة ولا مكان لها في هذا المقال حيث الاستباحة للوطن وموارده والدولة ومقدراتها باتت على المفضوح مع يقين المستبيح أنه لا من يُحاسب ولا حتى يُسائل فكل المحرمات أصبحت بالمتناول في دولة الفلتان والفوضى!
إن التوافق المشهود الذي أوصل الرئيس عون إلى سدّة الرئاسة والالتفاف الرسمي والشعبي حوله، وتجاوز الكثيرين مواقفهم المبدئية من سياسات التيار بهدف إعطاء فرصة للبنان ليخرج من دوامة الفراغ ويحدث الرئيس عون الإصلاح والتغيير المنشودين واللذين باتا أكثر من ضرورة ملحة لصمود لبنان الاقتصادي واستمرار الدعم الدولي له، كل هذا التوافق المحلي لم تقابله خطوات من قبل فريق الرئيس، بل قابله تشدّد وتغليب منطق الاستقواء على الشركاء وانتهاز شتى الفرص لاحتكار السلطة وفرض القرارات على أنها أمر واقع، وكل هذه الممارسات ممكن أن تكون خدمت فريقاً ولكنها بالتأكيد أضرّت بالعهد وانطلاقته والتي أعلن الوزير باسيل في آخر مقابلاته أنه لا مانع من تأجيل التأليف حتى يستوفي «الشروط»، مما يطلق صفارة الإنذار حول أهمية إيجاد الأرضيّة المشتركة مع مختلف الأفرقاء إذا ما كانت النوايا جدّية للدفع نحو انطلاقة منتجة ونهضة حقيقية للاقتصاد المتهالك ووضع حجر الأساس لبناء دولة المؤسسات وإخراج لبنان من المزرعة الكبيرة نحو الوطن الصغير!
إنه لبنان حيث لا غالب ولا مغلوب مهما كبرت الأوهام وتضاعف الشعور بفائض القوة…!