العراق هو المركز للشرق الاوسط. منه بدأ الانهيار، ومنه تدحرجت “كرة النار” الى أنحاء المنطقة، منها ما اشتعلت فيها النار وما زالت مثل سوريا، ومنها ما استطاعت في توقيت مناسب محاصرة النار وإطفاءها وإن استمرت بعض الشظايا تقتل وتجرح وتؤلم مثل مصر، ومنها ما تحترق وتستنزف نفسها وآخرين مثل اليمن…
من العراق ايضاً يمكن تلمّس النهاية. وإن كان العراق ما زال جريحاً ومريضاً ومستنزفاً، ولا يبدو أن خروجه من دائرة النار قريباً، وإن كانت بعض الإشارات توحي بأن محاولات جدية تجري لمحاصرة النار. بداية الانهيار كانت في الحرب الايرانية ـ العراقية، استنزفت تلك الحرب العراق وايران وزرعت أحقاداً مهما جرى وأدها بكلمات الإخوة في الدين وحتى المذهب، فإن هذا لا يحول دون رغبة ايرانية بالثأر وباسترجاع إنفاقات الحرب الطويلة بأي طريقة من الطرق، تماماً كما يحصل بين الكويت والعراق (تصادف اليوم ذكرى جريمة الغزو الصدامي للكويت وما استتبعها من جرائم متصلة) وتعويضات الحرب، وصولاً الى الحرب الاميركية الاولى والثانية وما نتج عن ذلك من تمزيق جغرافي وشعبي ومذهبي وغزو ارهابي، مما انتج وضع العراق كله تحت احتلالَين أميركي وايراني، وإن بتسميات مختلفة ونتائج مكمّلة الواحدة مع الاخرى.
العراق اليوم هو الحلقة الضعيفة في المنطقة، ولذلك الجميع ضعفاء او في خانة الاستنزاف. مهما زايدت واشنطن في إعلانات الانسحاب فانها لن تنسحب. كل من يخالفها او يجابهها يدفع الثمن غالياً. يكفي متابعة ما حصل ويحصل للاكراد. المساكين كانوا على عتبة الاستقلال فاذا بهم يلملمون بقايا ما كانوا يأملونه، لذلك يبكي الآن مسعود برازاني علناً وأمام شعبه وان غطى على سبب بكائه بتقبيل ابن شهيد. ونزولاً نحو بغداد وصولاً الى البصرة مروراً بالنجف وكربلاء تبدو الكارثة اكبر، حيث الايراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني يفرض ما يعتقده حقاً له وتكون النتيجة المزيد من التمزيق والخضوع وانهيار الدولة وضياع ثروات النفط والغاز والاموال الضخمة التي كانت في الخزائن والمصارف، وبالتالي تشكل طبقة من الأغنياء قبلوا بالفتات ولكنه بالمليارات، بحيث ان نوري المالكي الذي كان يعتاش من بيع المسابح او الادعية امام مقام السيدة زينب في دمشق، يقال ان ثروته تتجاوز أربعين مليار دولار، ولذلك وبدعم من الجنرال سليماني ما زال الرجل القوي المرشح لخلافة العبادي…
معركة رئاسة الوزراء في العراق صعبة جداً لان الحل ليس عراقياً رغم كل الطموحات العراقية. الحل ايراني ـ اميركي، او نتيجة لمواجهة اميركية ـ ايرانية. لكن وسط هذه العقدة المعقدة، يوجد دور لموقف العراقيين. موقف السيد مقتدى الصدر من تسمية رئيس الوزراء مهم جداً ولكنه لا يكفي ما لم تجتمع قوى عراقية فاعلة وقادرة على القفز فوق عقد صاغتها عقود طويلة من التعاملات والتنافس على أحقية المواقع.
السؤال الطبيعي اين الجوار العربي في كل ذلك؟ لا شك ان عودة اهتمام السعودية بالعراق شكّل تحوّلاً مهماً جداً، وهو يحتاج الى تكثيف وتعميق لان كل خطوة ناجحة هي خطوة نحو الامام لإبعاد ايران او على الأقل لتخفيف سطوتها باسم العمق الجغرافي وترابط الأمن القومي، تماماً كما كان الخطاب السوري الذي كان شعاره “شعب واحد في دولتين”، فإذا به يصبح بعد سنوات من الممارسة “شعبان في دولة واحدة”.
الوقت حالياً اكثر من مناسب للضغط على ايران. ليس الامل معلّقاً على الرئيس دونالد ترامب واستعراضاته الخارجة من مهنته الاساسية بالتجارة في العقارات وانما أساساً لان العالم استوعب مخاطر السياسة الايرانية. حتى فرنسا المتمسكة بالاتفاق النووي وسعيها مع شركائها الأوروبيين الى تعطيل العقوبات الايرانية، لم تعد مستعدة للتساهل مع السياسة التوسعية الايرانية، لذلك وصف وزير خارجيتها جان ايف لودريان ايران بأنها ” قوة خطيرة” وأن التعامل معها لا يختصره الملف النووي فقط “بل هناك ابعاد اخرى مثل البرامج الصاروخية وزعزعة استقرار المنطقة والدور الذي تلعبه في دول المنطقة مباشرة او عبر ميليشياتها كما في لبنان”.
مهم جداً دعم عودة السلام والتوازن الى العراق… إنقاذ العراق هو الخطوة الاولى الضرورية لإنقاذ المنطقة.