بداية إنفتاح «العهد» العلني مع نظام الأسد على حساب التسوية السياسية الداخلية
يافطة «المصلحة الوطنية» لا تبرِّر لقاء باسيل – المعلِّم ولا تساهم خطوة واحدة في عودة النازحين السوريين
أما النتيجة الملموسة لهذا اللقاء فهي محاولة وضع كل الأطراف السياسية تحت الأمر الواقع للانفتاح والتواصل مع النظام السوري
لا شك أن تلطي وزير الخارجية جبران باسيل تحت يافطة تأمين المصلحة الوطنية من خلال البحث في موضوع تسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم، لتبرير لقائه مع وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم في نيويورك مؤخرا بعد مرحلة طويلة من الانقطاع، ليست مقنعة أو موضوعية لأنها تصب في هدف لا علاقة له بكل ما يطرح علناً بهذا الخصوص وتؤدي في خلاصاتها إلى تأجيج الخلافات الداخلية الخادمة اساساً تحت الرماد بفعل الانقسامات الحاصلة بين سائر الأطراف السياسيين وفي النهاية ليست لمصلحة لبنان واللبنانيين خلافاً لكل ما يقال ويروج على لسان الوزير جبران ودعا المؤيدين لمثل هذه اللقاء.
فمسألة إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم، لا تهم الوزير جبران والفريق السياسي المنضوي تحت لوائه لوحدهم، بل هي مسألة تهم كل اللبنانيين من دون استثناء، وبالتالي إن توفير مقومات هذه العودة تتطلب قراراً يتخذ بمجلس الوزراء وضمن سياسة موحدة تعبر عن احترام المؤسسات الدستورية والعمل الجماعي ضمن هذه المؤسسات وليس التفرد بسياسة أقل ما فيها انها تتجاوز الدستور والحكومة كما يحصل في الوقت الحاضر خلافاً لكل الشعارات والعبارات الجوفاء التي نسمعها من وقت لآخر وأقل ما يقال فيها انها لا تعبر عن الواقع إطلاقاً.
فالتفرد بلقاء الوزير باسيل مع وزير خارجية النظام السوري من جانب واحد مع العلم مسبقاً ان هذا الموضوع هو موضوع خلافي بين مكونات أساسية في التسوية السياسية التي أفضت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، يعني ضمناً ان هناك محاولة مكشوفة لتجاوز هذه التسوية أو هزّ اسسها عمداً من باب ما يقال انه تسهيلاً لإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم خلافاً للواقع. ماذا كانت نتيجة لقاء باسيل – المعلم سياسياً حتى الآن؟
لم يؤدِ إلى أي خطوات عملية باتجاه تحقيق ما يروّج له باسيل وفريقه السياسي عن تسهيل عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بالرغم من كل الضجيج وحملات الترويج الوهمية عن أهمية اللقاء المذكور بخصوص هذه المسألة المعقدة إقليمياً ودولياً وفوق طاقة معظم الأطراف السياسيين بالداخل اللبناني، والأهم من كل ذلك هو ما قاله وزير خارجية النظام السوري بأن حكومته هي مع مبدأ عودة النازحين السوريين إلى سوريا ولكن هناك «أجراءات لا بدّ من اتخاذها قبل تسهيل هذه العودة إلى الداخل السوري وهي لم تكتمل بعد».
وهذا يعني بشكل غير مباشر ان النظام السوري لا يرغب بعودة هؤلاء النازحين عملياً إلى سوريا حالياً، اما محاولة الوزير باسيل تصوير المعترضين على لقائه المعلم بأنهم لا يريدون تأمين المصلحة اللبنانية من خلال رفضهم لهذا اللقاء لأنهم لا يريدون إعادة النازحين السوريين إلى سوريا ويعني بذلك الفريق المناهض لنظام الأسد وتحديداً «تيار المستقبل» وحلفاءه وسائر القوى المؤيدة لهذا التوجه والمشاركين في الحكومة، فهي محاولة للهروب من الهدف الحقيقي والاساسي لهذا اللقاء المثير للجدل والخلافات معاً، كون الاهتمام بمعالجة مسألة النازحين وجوداً ومصيراً ومتطلبات كانت من ضمن الأولويات التي حملها رئيس الحكومة سعد الحريري داخلياً وخارجياً وعمل ما في وسعه لإيجاد الحلول العملية لها، في حين يتناسى وزير الخارجية عمداً انه كان شريكاً اساسياً مع عشرة وزراء من التيار السياسي الذي يمثله ضمن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة التي ضمنت في صفوفها حلفاء من نفس الخط السياسي نفسه وخلال توليهم المسؤولية يومذاك سمحوا لطوابير وعشرات الآلاف من النازحين السوريين بالدخول إلى الأراضي اللبنانية والانتشار على معظم الأراضي اللبنانية عشوائياً بلا حسيب أو رقيب، وهو يحاول الآن نفض يديه من هذه المسؤولية النافرة ورميها على الاطراف الآخرين خلافاً للواقع والحقيقة بينما تولت الحكومتان المتعاقبتان بعد ذلك تحديد وتنظيم أطر النزوح السوري ضمن الأنظمة والقوانين اللبنانية.
وانطلاقاً من كل هذه الوقائع والملاحظات، لا يؤشر لقاء باسيل – المعلم إلى أي تقدّم باتجاه تسهيل عودة النازحين السوريين لأنه كما يبدو فإن هذه المسألة هي بانتظار مسار التسوية السياسية للأزمة السورية كما يقول علناً مسؤولو الدول الكبرى والمعنيون بهذه الأزمة.
اما النتيجة الملموسة لهذا اللقاء فهي محاولة وضع كل الأطراف السياسية تحت الأمر الواقع للانفتاح والتواصل مع النظام السوري خلافاً لرغباتهم وتوجهاتهم بهذا الخصوص، حتى ولو تتطلب الأمر التلاعب بالتسوية السياسية والاخلال بها كما هو ظاهر بوضوح.