IMLebanon

بداية مرحلة..

 

علي نون

لم يخطئ الافتراض والظنّ والتشخيص، مَن افترض وظنّ وشخّص بأن المرحلة التالية للقضاء على دولة «داعش» باعتبارها ذروة الإرهاب المُجسَّد جغرافياً، ستعني الانتقال إلى البند الثاني في أجندة النكبة السورية والعاملين «الكبار» فيها.. والذين كما يتبيّن، يعرفون تماماً كيف يراعون مصالحهم المتبادلة، ويفصلونها عن الأدلجة الحارّة والأحكام المُسبقة السبك..

 

وذلك البند يعني أمرَين لا بد منهما. وأولهما شرط حاكم لثانيهما: تقليص أو تحجيم النفوذ الإيراني مع ملحقاته الميليشيوية وخصوصاً تلك الخاصة بـ«حزب الله»، ثم العودة إلى مناخات البحث عن «حل سياسي» برغم الغبار الكثيف الذي يغطّي طروحات وتراكمات ذلك الحل والذي لا يعني (لمَن يتذكّر!) سوى «قوننة» وتنظيم النظرية القائلة بأن «لا مستقبل لآل الأسد» في حكم سوريا، حسب التعبير الحرفي لوزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون في أول زيارة رسمية له إلى موسكو!

 

وحدها إيران وحواشيها كانت في عالم آخر. ادّعت أن مشاركتها الموضعية في «الحرب على الإرهاب»، أكان في العراق أو في سوريا، تبيّض صفحتها الخاصة المليئة بما تدّعي محاربته! وأن المرحلي والعابر الخاص بالضوء الأخضر الأوبامي سيصير دائماً وأبدياً! وأن سعيها لقضم النفوذ والأرض والسلطة أينما أمكنها ذلك سيفرض أمراً واقعاً لن يتمكن أحد من إزالته! وأن رفقة الدرب مع الروسي في قتال المعارضة السورية ستعني في النهاية وحدة موقف إزاء مستقبل الوضع برمّته بما فيه تقسيم خرائط النفوذ والانتشار وضمان نجاح استنساخ «التجربة» الإسرائيلية ازاء الفلسطينيين لجهة الإكثار من الحكي عن «حل سياسي» من دون الوصول إلى ذلك الحل! واستغلال الوقت لاستئناف تغيير الوقائع على الأرض وتثبيت بدائل (دائمة) عنها!

 

الاستراتيجية الوحيدة لإيران وتابعها الرئيس السابق بشار الأسد، كانت (ولا تزال افتراضياً!) هي «الحل العسكري» بكل متطلباته وتوابعه وفي أولها عدم الفصل بين القوى المقاتلة في المعارضة وبين بيئة هذه القوى.. وذلك (حرفياً) ما جرى في معظم المواقع التي «حُسِمَ أمرها» من شرق حلب إلى الغوطة وما بينهما! ثمّ الانخراط من موقع «الشريك» في رواية الحرب على الإرهاب! ثم تقديم ما يلزم من تطمينات و«ضمانات» للغربيين والإسرائيليين انطلاقاً من تلك «الشراكة» المفترضة، ثمّ من محاولة الاستثمار المتبادل والمشترك في قصّة «تحالف الأقليات» في وجه «أكثرية» تستوطن فيها «أسباب» الإرهاب و«مقوّماته» مثلما تستوطن فيها مخاطر استراتيجية كبرى على «أمن إسرائيل» والغرب الداعم لها!

 

فازت إيران وتابعها الأسد في المرحلة الأولى من النكبة السورية بعد أن راكما على التدخّل السوري والانكفاء الأوبامي وأداء شيطاني متعدّد الهويات والأبعاد تحت مسمى «الإرهاب».. وبعد أن تمّ اختصار واختزال ثورة السوريين الأكيدة، بالمُعطى العدمي العبثي الإرهابي! لكن المرحلة الثانية بدأت للتو! والمفارقة أن فيها من خلال الشروع في «معالجة» النفوذ الإيراني عودٌ على بدء! أي على عدم الفصل غربياً وأميركياً بين إرهاب «مفيد» وإرهاب «مؤذ»! وبين «إرهاب الدولة» و«دولة الإرهاب».. وهذا يعني بوضوح تام وشفّاف أن «ملف» النفوذ الخارجي الإيراني يُنظر إليه على أنه وليد دولة هي «الراعية الأولى للإرهاب في العالم»! وتعتمد طرقاً وأساليب وآليات لا علاقة لها بالشرعية ولا بالأعراف والمواثيق الحاكمة للعلاقات الدولية في عالم اليوم!

 

خطايا إيران التي تبدأ من «كبيرة» الفتك بالسوريين، تصل إلى «صغيرة» تجاهل حقيقتين؛ الأولى أن إسرائيل لم تحتمل استراتيجية السلام العربية بالأصل فكيف لها أن تحتمل استراتيجية تعبوية خلاصية آتية من إيران حتى لو قدّمت لها هذه كل ما في الدنيا من «ضمانات» و«أدلّة» غير عدائية؟! والثانية أن روسيا ليست شريكاً حصرياً! بل دولة كبرى تبحث تلقائياً وطبيعياً عن ضمان مصالحها العليا والسفلى.. وهذه بالتأكيد أكبر وأهم وأشمل من إيران وطموحاتها!