هدفان مكشوفان، سعت ايران لتحقيقهما من خلال عملية إطلاق الصواريخ على المناطق الشمالية لإسرائيل من جنوب لبنان في هذا الظرف المتفاقم اقليميا ودوليا.
الاول، إظهار قدرتها بالرد سريعا، ولو بصواريخ بدائية، على الغارات التي تشنها طائرات سلاح الجو الاسرائيلي على قواعد ومستودعات الحرس الثوري الايراني في سوريا، والتي الحقت خسائر فادحة بصفوف ضباط كبار من الحرس، باعتراف النظام في طهران الذي توعد بالرد عليها، لامتصاص النقمة بعدم الرد، والثاني محاولة استغلال هجمة الاعتداءات الإسرائيلية على المصلين الفلسطينين بالمسجد الأقصى، لاظهار تضامنها ودعمها للفلسطينيين صورياً، والوقوف الى جانبهم، بمواجهة مايتعرضون له من اضطهاد وقمع غير مسبوق، وللرد على كل المنتقدين لسياسة الشعارات والتهديدات الايرانية الوهمية ضد إسرائيل، بينما لوحظ، تكرار غياب فيلق القدس بالحرس الثوري، عن مشاركته ولو لمرة واحدة منذ تأسيسه، في التضامن والدفاع عن الفلسطينيين العزل، واستمرار اشغاله بمهمة اشعال الحروب المذهبية، وتخريب وتدمير مرتكزات العديد من الدول العربية، باليمن والعراق وسوريا ولبنان، بالتوازي وبالتزامن مع امعان إسرائيل بمخططها الاستيلاء ماتبقى من الاراضي الفلسطينية وضم الجولان السوري اليها.
استغلت ايران جناح حركة حماس التابع لها برئاسة اسماعيل هنية، الذي بشرّنا في زيارته السابقة الى لبنان، منذ عامين، بتوحيد الساحات لمواجهة العدو الاسرائيلي، بدلا من انكبابه على توحيد الصف الفلسطيني ووقف ممارسات تشرذمه، ليكون جناح حركته، الواجهة الايرانية لعملية إطلاق الصواريخ على المستوطنات الشمالية الإسرائيلية من جنوب لبنان، لتحييد حليفها حزب الله من ردات الفعل الإسرائيلية، وحصر العملية وكأنها رد مشروع وطبيعي، من فصيل مقاومة فلسطيني على الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية المتواصلة ضد اخوانهم المضطهدين في المسجد الأقصى ومن حوله، بينما يعرف الجميع ان حماس تفتقد ادنى متطلبات التغطية السياسية والشعبية، والامكانيات اللوجستية للقيام بمثل هذه العملية العسكرية في هذه المنطقة من الجنوب اللبناني.
لم يؤد اطلاق الصواريخ الى الحاق خسائر تذكر، أو منع الاذى عن الفلسطيين بالقدس وغيرها، بل اعطى مردودا عكسيا، وأتى في صالح زيادة الالتفاف الاسرائيلي بين الحكومة اليمينية والمعارضة، وتجميد خلافاتهم المتصاعدة حول تعديل النظام القضائي وغيرها مؤقتا، وتوحدهم وراء الحكومة المتطرفة، وتكثيف اعتداءاتهم على الفلسطينين العزل.
اما في لبنان، فكان وقع حادث اطلاق الصواريخ الايرانية من الاراضي اللبنانية، مستنكرا ومرفوضا من اكثرية اللبنانيين اولاً، لانهم لا يريدون الزج ببلدهم مجددا في الصراع على تقاسم الادوار الاقليمية بين إسرائيل وايران، وتوزيع مناطق النفوذ بينهما، ولان تجارب أحداث مماثلة في القرن الماضي، من تمركز لمنظمات فلسطينية مسلحة بالبقعة نفسها، لم يحدث فارقا بالصراع العربي الاسرائيلي، بل جلب الويلات والحروب على الداخل اللبناني والخراب على هذه المنطقة.
وفي المقابل، استطاعت المقاومة الفلسطينية المتجددة بالداخل الفلسطيني، من اثبات نفسها ووجودها، بقوة وفاعلية بالاشهر الماضية في الضفة الغربية، وقدرتها على توجيه الضربات الموجعة، في صميم الكيان الاسرائيلي وارعاب المستوطنين، واكثر فاعلية وايلاماً من شعارات توحيد الساحات الايراني وحوادث إطلاق الصواريخ الماجورة، بالرغم من كل ردات الفعل والهمجية الإسرائيلية ضد الاهالي وذوي منفذي العمليات البطولية ضد الاسرائيليين.
اظهرت وقائع مسرحية إطلاق الصواريخ من الجنوب اللبناني التي الصقت صوريا، بحركة حماس، والرد الاسرائيلي «الردعي» الذي طال مناطق غير مأهولة، وانتهى بنفوق عدة رؤرس من الماشية، دقة توزيع الادوار بين اللاعبين الاساسيين، ايران وإسرائيل، والتزامهما عدم تخطي الخطوط الحمراء المرسومة بينهما، في الصراع الدائر بسوريا ولبنان، حفاظا على مصالح كل منهما، باستغلال القضية الفلسطينية على حساب الشعب الفلسطيني، وجانبا من مصلحة اللبنانيين، في حين لا يمكن فصل حادث اطلاق الصواريخ الايراني المتخفي وراء حركة حماس هذه المرة من لبنان وليس من قطاع غزة، وراء محاولة ايرانية مسبقة، لاخراج استمرار تدخلها بالشان اللبناني والفلسطيني الفاقع، من مقتضيات الاتفاق مع السعودية، وابقاء القديم على قدمه، ولبنان ساحة نفوذ ايرانية بلا حسيب او رقيب، وموضع ترقب وتساؤل الى حين.