لم يصدر عن اجتماع باريس الخماسي الذي عُقد الإثنين الفائت، للبحث بالملف اللبناني من جميع جوانبه، وضمّ ممثلين عن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والسعودية وقطر ومصر، أي توصيات أو بيان بسبب التمايز بشان عدد من التفاصيل، ولأنّ المجتمعين كانوا على مستوى تمثيل منخفض، أي أنّ القرار يعود الى دولهم. وكان هذا الأمر متوقّعاً إذ سبق وأن حُكي عن أنّ اجتماعاً لاحقاً ستعقده الدول نفسها على مستوى وزراء الخارجية مع إمكانية توسيع دائرة المشاركة لتشمل الأردن وبعض الدول الأوروبية، علماً بأنّ الإتحاد الأوروبي كلّف فرنسا التكلّم باسمه في هذا الإجتماع أو سواه. والسؤال الأبرز هنا: هل ستتمّ دعوة إيران، كما لبنان ممثلاً بوزير خارجيته الى الإجتماع الثاني المرتقب والذي سيحمل إسم “بيروت 1″، ليخرج ببيان ما يُمكن الحديث عن الإلتزام به؟!
أوساط ديبلوماسية عليمة أكّدت أنّ قيام فرنسا بالمبادرة الى عقد الإجتماع بشأن لبنان، والذي ستستكمله قريباً بالإجتماع الثاني الذي يجري التحضير له، يهدف بالدرجة الأولى الى قولها بأنّها “لن تترك لبنان وحيداً في ظلّ الشغور الرئاسي والإنهيار الإقتصادي والمالي الذي يتخبّط به منذ سنوات”. ولهذا تسعى مع الدول المشارِكة الى المساعدة على إيجاد حلّ ما للخروج من المأزق الراهن. غير أنّ عدم وجود إيران بين هذه الدول جعل بعض المسؤولين في “حزب الله” يؤكّدون على أنّه لا يُمكن للخارج أن يفرض علينا أي إسم، وبأنّه إذا ما اتفقت غالبية الكتل النيابية على إسم وطني، فإنّها تستطيع أن تفرضه على الداخل والخارج، وأن توصله إلى الرئاسة. كما أنّ لبنان “لا يتحمّل أي إملاءات خارجية، لا رئاسية، ولا غيرها. وأنّ المعادلة اليوم لا تسمح بإملاء وفرض رئيس للجمهورية من دول إقليمية أو دولية. وهذا يعني بأنّ الرئيس المقبل للبنان سيكون “صناعة وطنية” في حال جرى التوافق بين الأفرقاء اللبنانيين على إسم معيّن.
وإذ لم يصدر أي بيان حتى الآن عن المجتمعين لاعتبارات عدّة، أشارت الى أنّه جرى تأجيل هذا الأمر للإجتماع على مستوى وزراء الخارجية، لكي يكون له الثقل المناسب، وإن كان لا يُلزم في النهاية سوى الدول المشارِكة فيه، وليس على لبنان تطبيق بنوده، إذا لم يجد أنّها تتلاءم ووضعه الداخلي الحالي. فحتى الآن ليس من توافق داخلي لا على مواصفات الرئيس ولا على إسمه، فكيف ستتمكّن الدول المجتمعة بشأن لبنان، من دون حضور أي من مسؤوليه، ولا حتى سفير لبنان في باريس، على غرار مشاركة سفيرتي أميركا دوروثي شيا وفرنسا آن غريّو لدى لبنان فيه، الى جانب ممثلي البلدين، أن تفرض “خارطة الطريق” على اللبنانيين للمرحلة المقبلة، بدءاً من إسم رئيس الجمهورية، مروراً بتشكيل الحكومة، وصولاً الى الخطة الإقتصادية والمالية التي عليها تنفيذها لإنقاذ الوضع الحالي المنهار؟!
وتقول الأوساط نفسها بأنّ الدول المعنية تعوّل على الإجتماع اللاحق الموسّع والرفيع المستوى، والذي سيحمل إسم “بيروت 1″، ما يؤشّر الى أنّه سيكون هناك “بيروت 2″، و”بيروت 3” على غرار “باريس 1″، و”باريس 2” والذي تحوّل لاحقاً الى “مؤتمر سيدر”. وقد يكون “بيروت 1” على غرار “بغداد 2” الذي عُقد أخيراً في عمّان في الأردن، بهدف وضع صيغة لحلّ الأزمة اللبنانية من جميع جوانبها، على أن تُشارك فيه طهران هذه المرّة، كونها لاعبا أساسيا في المنطقة لا يُمكن تغييب دوره، إذا ما توصّلت قطر الى حين تحديد موعده، الى إقناعها بهذا الأمر، كما شاركت في اجتماعات “بغداد 2”. وحصل لقاء ثنائي على هامشها بين وزير خارجيتها ووزير خارجية السعودية. فضلاً عن إمكانية دعوة لبنان لكي يكون في أجواء ما سيتمّ التوافق عليه بين الدول المجتمعة بشأن أزمته الداخلية.
وترى الأوساط بأنّ تطبيق اللبنانيين لبنود أي بيان قد يصدر عن اجتماع باريس المرتقب، لا يُمكن أن يحصل إلّا إذا قامت كلّ من الدول المشارِكة فيه بالضغط على حلفائها في الداخل، من أجل حثّهم على انتخاب رئيس الجمهورية، والمضي في تشكيل حكومة إنقاذية تقوم بتحقيق الإصلاحات المطلوبة لتوقيع الإتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي وما الى ذلك.
علماً بأنّه كما بات معلوماً ليس من مساعدات أو هبات جديدة للبنان من أي من الدول المشارِكة في اجتماعات باريس قبل تحقيق الإصلاحات الهيكلية الموعودة. والجميع يعلم أين يعلق مشروع استجرار الغاز والطاقة من مصر والأردن عبر سوريا الى لبنان، وقد أصبح وضعه معلّقاً أكثر بعد الزلزال المدمّر الأخير الذي ضرب تركيا ودول المنطقة، وسوريا بنوع خاص. غير أنّ المساعدات التي تندرج في صندوق الدعم الذي أطلقته باريس والرياض للمساعدات الإجتماعية والإنسانية، تستمرّ، على ما لفتت، كما المساعدات السنوية التي تقدّمها الولايات المتحدة للمؤسسة العسكرية وسواها. وقد جرى التوافق خلال الإجتماع على حرية كلّ طرف بتقديم المساعدات التي يريدها الى لبنان أو الى الشعب اللبناني.
من هنا، شدّدت الأوساط عينها على أنّ اجتماع باريس المرتقب إذا لم تُشارك فيه إيران، سيكون من الصعب أن يخرج بحلول جذرية للأزمة اللبنانية القائمة حالياً في ظلّ الشغور الرئاسي. كذلك لا بدّ من أن يتوافق المجتمعون على صيغة معيّنة لتمرير الإستحقاق الرئاسي وما يليه لإنقاذ البلاد، ويتزامن ذلك مع توافق داخلي. ومن دون حصول هذه الأمور، فإنّ اجتماع باريس سيكون بمثابة محاولة لحلحة الوضع المجمّد في لبنان في انتظار حصول تسوية إقليمية ودولية فعلية تنعكس إيجاباً على لبنان، غير أنّ الأمر لا يزال يحتاج الى المزيد من الوقت.