نجحت «القمّة العربية التنموية: الإقتصادية والإجتماعية» في دورتها الرابعة التي عُقدت أمس الأحد في الواجهة البحرية لبيروت (في الـ «سي سايد آرينا») في الخروج ببيان خاص ومفصّل عن موضوع النازحين السوريين في لبنان (والأردن ومصر) الذي عملت الديبلوماسية اللبنانية على إدراجه في «إعلان بيروت» الذي صدر عن الجلسة الختامية للقمّة.. كما في المبادرة المهمة والأولى من نوعها بعد حروب ثورة الربيع العربي التي أطلقها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن «تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية يتولّى مساعدة جميع الدول والشعوب العربية المتضرّرة على تجاوز محنها، ويُسهم في نموّها الإقتصادي المستدام ورفاه شعوبها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، على ما أعلن الرئيس عون خلال الكلمة التي ألقاها في الجلسة الإفتتاحية للقمّة، وذلك رغم مشاركة رئيسين عربيين فقط فيها هما أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني آل حمد والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز لتسلّمه رئاسة القمّة، الى جانب رئيس جمهورية الدولة المضيفة.
وكشفت أوساط ديبلوماسية بارزة واكبت أعمال مؤتمر القمّة في بيروت، أنّ هذه الأخيرة تمكّنت من «كسر العزلة الخارجية على مستوى القمّة»، التي حاولت معظم الدول العربية من خلال تغيّب الرؤساء والملوك والأمراء عنها لأسباب عدّة، فرضها على لبنان، والمعطيات كثيرة أبرزها:
أولاً، المفاجأة التي قام بها أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني آل خليفة، من خلال حضوره الى بيروت والمشاركة في القمّة، وقد شكّل حضوره هذا جوّاً داعماً للبنان، سيُترجم لاحقاً بدعم وخطوات ما تجاهه. وأسرّت بأنّ ثمّة مفاجأة قطرية تحفّظت عن ذكرها سوف يتمّ الإعلان عنها قريباً، نافية ما تردّد في وسائل الإعلام من أخبار عن تكفّل دولة قطر بمصاريف القمّة الإقتصادية في بيروت (التي بلغت 15 مليار ليرة لبنانية)، أو وضعها وديعة مالية قيل إنّها قد تبلغ مليار دولار أو أكثر في مصرف لبنان المركزي، فضلاً عن تقديم تقديمات مالية الى عدد من الوزارات اللبنانية.
ثانياً، نجح لبنان عبر الأطر الديبلوماسية، وبالتوافق مع ممثلي الأردن ومصر خلال الإجتماعات التحضيرية للقمّة، في صياغة بيان خاص بمسألة النازحين السوريين في لبنان ودول الجوار، تمّ إدراجه في البيان الختامي للقمّة، بما يتوافق مع المصلحة اللبنانية ويتلاءم مع الإجماع العربي.
ثالثاً، إنّ مبادرة الرئيس عون بتأسيس مصرف عربي لإعادة إعمار بعض دول المنطقة المتضرّرة من الحروب الأخيرة، ليس كلاماً لفظياً فحسب، إنّما سيُترجم لاحقاً من خلال دعوة الرئيس عون جميع المؤسسات والصناديق التمويلية العربية للإجتماع في بيروت خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لمناقشة وبلورة الآليات لإنشاء هذا الصندوق. وأكّدت الأوساط نفسها أنّه جرى التشاور حول إنشاء هذا المصرف سابقاً، وسوف يليه خطوات عملية قريبة جدّاً، وأنّه ربما قد تكون هذه المبادرة فاتحة لانضمام دول أخرى الى هذا المصرف حتى ولو لم تكن موافقة على هذه الفكرة اليوم. وبهذا يكون لبنان، للمرّة الأولى، قد أعطى دوراً قيادياً لمرحلة إعادة الإعمار أو ما بعد حروب الربيع العربي.
وشدّدت على أنّ تأسيس هذا المصرف العربي ليس مبادرة سياسية فحسب، إنّما سيأتي على غرار المصارف التي تأسّست بعد الحرب العالمية الثانية لإعادة إعمار الدول الأوروبية. وأوضحت أن ليس هناك من دولة عربية ضدّ المساهمة في إعادة إعمار سوريا، بل ثمّة دول لديها مشكلة مع الحلّ السياسي في سوريا وليس مع إعادة إعمارها. ولهذا، فبغضّ النظر عن الحل السياسي ورؤية الدول العربية منه، فإنّ المصرف العربي هو مؤسّسة سوف تُولد، وإن لم يتمّ منذ الآن تحديد متى سوف يبدأ عمله ومن سيُساهم فيه.
رابعاً، إنّ قمّة بيروت التنموية قد سجّلت رغم كلّ الصعوبات المحلية والإقليمية والدولية، أنّ لبنان قد أطلق مرحلة الإزدهار وإعادة الإعمار وفقاً للعنوان الذي أطلقه الرئيس عون على هذه القمّة وهو «الإزدهار من عوامل السلام». وهذه المبادرة مهمّة جدّاً لأنّها مبادرة مصالحة، وإعادة بناء، وإيجاد الأمل لشباب العالم العربي الذي يُعاني اليوم من ضغوطات كثيرة، أقلّها البطالة ومحاولة زجّه في التطرّف، ثمّ الفقر ومسألة النزوح وما الى ذلك.. فبيروت، رغم كلّ هذه الضغوطات قد نجحت في تظهير المقرّرات الصادرة في «إعلان بيروت»، لا سيما عندما ذكر رئيس الوفد السعودي، وزير المال محمد عبدالله الجدعان أنّه سيتمّ دمجها في القمّة العربية الدورية التي ستُعقد في تونس في أواخر آذار المقبل، ما يعني أنّه سوف يجري تبنّي مقرّرات بيروت، وهو أمر في غاية الأهمية.
وفيما يتعلّق بالبيان الخاص بموضوع النازحين السوريين، كشفت الأوساط أنّ الديبلوماسية اللبنانية نجحت في نزع صفة «العودة الطوعية» بالنسبة لمسألة عودة النازحين السوريين الى بلادهم، لما تحمله من معانٍ لإبقائهم في الدول المضيفة ودمجهم فيها، أو بالأحرى «توطينهم» فيها، الأمر الذي يرفضه لبنان بشكل قاطع، واستبدالها بعبارة «العودة الآمنة» لهم. وهذا الأمر، قد يسمح للبنان، على ما يسرّ بعض العارفين، بالطلب من جميع النازحين السوريين على أراضيها لاحقاً العودة الى بلادهم، لا سيما مع عودة الأمن والإستقرار الى معظم المحافظات والمناطق السورية، وذلك لعدم تمكّن لبنان من استضافتهم لوقت أطول بعد، نظراً لما يتكبّده من أعباء اقتصادية ومالية واجتماعية هائلة تُرهق كاهل ميزانيته. كما استطاعت الديبلوماسية في البيان من نزع عبارة «القرارات الدولية» عن ملف عودة النازحين، ما يعني بأنّ الدول المضيفة لهم لن تكون ملزمة في المرحلة المقبلة بالتقيّد بما يتخذه المجتمع الدولي حول هذا الملف. علماً أنّ هذا الأخير لا يزال يربط عودة النازحين بالحلّ السياسي الشامل للأزمة السورية، فيما يرفض لبنان هذا الربط، ويرى أنّ العودة باتت ممكنة مع عودة الأمن لسوريا، والدليل قيام الأمن العام اللبناني برئاسة اللواء عبّاس ابراهيم بإعادة آلاف النازحين حتى الآن، وعلى دفعات الى بلادهم من دون حصول أي مشاكل، من خلال تذليل جميع العوائق التي كانت تحول دون عودتهم.
وتميّزت قمّة بيروت، في الوقت نفسه، بإطلاق رئيس الوفد الكويتي، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، مبادرة كويتية لإنشاء صندوق للمشاريع الصغيرة على مستوى الوطن العربي، برأسمال قدره ملياري دولار ساهمت بلاده بـ 500 مليون دولار، والمملكة العربية السعودية بـ 500 مليون دولار أيضاً، ما يعني مساهمة هذين البلدين بـ 50% من رأسمال هذا الصندوق. كما أعلن الشيخ الصباح عن إنشاء صندوق للإستثمار في مجالات التكنولوجيا والإقتصاد الرقمي برأسمال وقدره 200 مليون دولار أميركي، بمشاركة القطاع الخاص، على أن تُساهم الكويت بـ 50 مليون دولار من رأسمال هذا الصندوق، أي ما يُعادل ربع حجمه، على أن يوكل الى الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي والإجتماعي مسؤولية إدارة هذه المبادرة التنموية.