ما كانت قضية علاقة المؤمنين بإجراءات الوقاية لتثار لولا أنها تجاوزت الحادثة البسيطة والتعبير العابر لتتحول ظاهرة غير مريحة.
وانفراط عقد الصلاة، بفعل الاصرار على تناول القربان بالفم في احدى الكنائس، يوجب التحذير من مغبة ذهاب عامة الناس في تفسير للمعتقدات يتجاوز المنطق والعقل ويؤدي في النهاية الى أذية النفس والآخرين.
قد يكون التساهل في الممارسات والمعتقدات واعتبارها شأناً يخص الأفراد والجماعات مقبولاً وضرورياً في الأيام العادية التي تتيح رفاهية الاختلاف وحرية التصرف، أما وأن مسألة مثل فيروس “كورونا” صارت شأناً عاماً، فإن وضع حدّ للتفلّت هو واجب وليس محض اختيار.
والمفارقة أن عموم رجال الدين مسيحيين ومسلمين عبَّروا في أزمة تفشي الكورونا عن وعي ممتاز، ولم يخرج عن إجماعهم على اتباع إرشادات الوقاية إلا نفرٌ قليل من زملائهم المتشدّدين الذين لا يمثّلون إلا اتجاهاً مغرقاً في غيبيات تجاوزها تطور العقائد على مرِّ السنين.
يجب تحية غبطة البطريرك الراعي لوقوفه علناً إلى جانب الكاهن الذي رفض المناولة بالفم حفاظاً على صحة المصلين. وإذ ان اعتراض سيد بكركي على سلوك هؤلاء أتى من باب “واجب الطاعة” ومن منطلق ديني، فإنه غير كافٍ ويفترض أن يُقرَن بما يجعله مسموعاً حكماً وغير متروك لمشيئة الراغبين.
لم تعد الوقاية من فيروس كورونا اختيارية رغم ان فيها جانباً فردياً أساسياً. فالوباء عام. لذلك اتخذت احتياطات في أكثر الدول التصاقاً بالدين، فمُنع الطواف أياماً في مكة وألغيت صلوات الجمعة في إيران، حتى ان البابا فرنسيس أقام قداس الأحد عبر الفيديو وليس عبر النافذة المشرفة على ساحة القديس بطرس.
ولأن الوقاية لا تتعلق بحياة الفرد الذي يستطيع التصرف فيها كما يشاء وفق قناعاته، بل بحياة آخرين ومجتمع، صار لزاماً على الدولة فرض مبدأ المصلحة العامة على المؤمنين وغير المؤمنين. فالمؤمنون هم مواطنون قبل ان يكونوا أتباع ديانات وطوائف. والمجتمع برمته محصَّن بأولويته على ممارستهم لقناعاتهم.
وباختصار، فإن المؤمنين لا يمكنهم التصرف خارج حدود القانون، وواجب الدولة فرضه على الجميع شاؤوا أم أبوا. وربَّ ضارة نافعة. فلعلها مناسبة لتؤكد الدولة ان الجميع هم مواطنوها وأن المواطنة فوق الانتماء الى الرعايا والأديان والطوائف.
فلتأخذ الدولة إجراءاتها بمنع التجمعات الدينية مثلما أخذت قرارها بوقف المدارس والمسارح. إنها مصلحة المجتمع العليا، ولا تؤمنها سوى الدولة.
مناسبة كورونا ستفتح الباب لنقاش ضروري حول دور الدولة في المجتمع ودور القطاع الخاص. ولا شك أنه سيعاد النظر في كثير من الثوابت. فلحظة الكارثة لا بديل عن الدولة، ولذلك يجب أن تكون حاضرة على كل المستويات.