على وقْع الصدامات التي كانت تحصل بين الزوق ونهر الكلب وصولاً إلى جل ديب، عُقد الإجتماع الروحي في بكركي وضمّ عدداً من رؤساء الطوائف المسيحية.
كان الصباح هادئاً في جونية، ظنّ البعض أن الحياة عادت إلى طبيعتها حيث غابت أعداد المتظاهرين الكبيرة عن الأوتوستراد الساحلي وسلك البعض الطريق البحرية التي شهدت زحمة سير خانقة، واكتمل المشهد بعد توارد الأخبار عن عزم الجيش والقوى الأمنية على فتح الطرق بالقوّة وتزامن كل ذلك مع بدء هطول الأمطار. ما هي إلا ساعات قليلة حتى تبدّل المشهد، الجيش يحاول فتح طريق الزوق وسط حشود خجولة من المتظاهرين، لوهلة ظنّ البعض أن الخطّة نجحت، الطريق فتحت وتمّ القضاء على الثورة في مهدها.
لكن جرس كنيسة مار شربل في الزوق وأجراس الكنائس في كسروان التي قرعت كان صداها قوياً جدّاً، داعيةً الناس إلى النزول الى الشارع لمنع السلطة من الإنقضاض على الثوّار، وواكبها اجتماع البطاركة والأساقفة في بكركي.
المطران عودة: الفراغ أفضل
جرعات الدعم من بكركي كانت تأتي تباعاً والموقف الأبرز كان لمتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذوكس المطران الياس عودة لحظة وصوله إلى الصرح وهو المعروف بمواقفه الجريئة إذ قال: “للذين يطالبون بفتح الطرقات بهدف الذهاب الى العمل، هل كانوا يعملون في السابق؟ فليتركوا اللبناني يتحدث مع اللبناني، وليصبح عندنا 20 فراغاً لأن الفراغ أفضل مما نعيشه اليوم، ففي السابق كانت هناك حالة شلل في البلد وليس اليوم فقط”.
ولم يمنع الإجتماع الذي عقد من متابعة بكركي تطورات الأرض حيث كانت الأخبار تتوارد لحظة بلحظة وسط تأييد لما يقوم به الشعب.
وشهدت بكركي سلسلة اتصالات في الساعات الماضية مع الكتل والأحزاب، ومع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيث تمّ التأكيد على خطورة الوضع وضرورة اتخاذ إجراءات جذرية وعدم إدخال البلاد في الفراغ والمجهول، وتكثيف عمل الحكومة من أجل معالجة الأزمة الراهنة وعدم جرّ البلاد إلى دوامة العنف والعنف المضاد.
وكذلك، شهد الصرح لقاء بين البطريرك الراعي والنائب إبراهيم كنعان تمّ خلاله عرض تطورات الساعات الأخيرة قبل انعقاد اجتماع الأساقفة والبطاركة.
إنتظر الجميع موقفاً واضحاً من الإجتماع وهو الدعوة إلى استقالة الحكومة وتأليف حكومة بديلة من إختصاصيين لطالما طالب بها الراعي، لكنّ البيان لم يذكر هذه النقطة بوضوح، ويشير بعض المشاركين إلى أن الدعوة الصريحة للإستقالة لم تحصل لأسباب عدة.
ففي الإجتماع هناك عدد من الآراء والخروج بموقف سياسي في هذه الفترة لا يفيد أي أحد، كما أنه ليس عمل بكركي أو أي رجل دين الحديث السياسي المباشر، بل إنّ الكلمة الختامية كانت واضحة وهي التجاوب مع طلبات الشعب الثائر وبالتالي فإن المجتمعين يؤيدون كل المطالب.
إجتماع مع الثورة
وفي السياق يؤكد المطران حنا رحمة، الذي شارك في الإجتماع، لـ”نداء الوطن” أنّ بيان الإجتماع تبنى الثورة بكل مطالبها فالبطريرك كان يطالب دوماً باستعادة الأموال المنهوبة. ويشير إلى أنه “لا التباس في البيان من جهة الدعوة إلى رحيل الحكومة”، فقد دعا إلى “تشكيل حكومة مستقلة ديموقراطية وهذا يعني رحيل هذه الحكومة، كذلك دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى البدء بالاستشارات، وبالتالي فإن الإجتماع دعا بصراحة إلى إحداث التغيير المطلوب بعد فقدان الثقة بالسياسيين”.
ويوضح أن “البيان توجه الى المتظاهرين والسياسيين على حد سواء ولذلك استعمل هذه اللغة الناعمة، لكن في المقابل فان الثابت في الإجتماع هو المطالبة برحيل الحكومة ودعم الثورة الشعبية”.