Site icon IMLebanon

أجراسُ الشرق تُقرَع إحتفالاً بالميلاد وهزيمة «داعش»

 

ستُقرع أجراسُ الكنائس في لبنان وسوريا والعراق ومصر والأراضي المقدّسة محتفِلةً بولادة المخلّص، بعدما مرَّ مسيحيّو هذه المنطقة بصعوباتٍ وتَهجير ما جعل الشرقَ شِبهَ خالٍ من مسيحيّيه.

تُعتبر سنة 2018 التاريخَ الرسمي لنهاية بقايا الدولة الإسلاميّة في العراق والشام، «داعش»، بعدما أعلن العراق القضاء على التنظيم منذ أكثر من أسبوعين، وتأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنّ شهر شباط المقبل هو الموعدُ النهائي للتخلّص منه في سوريا وإعلان هزيمته.

وبصرف النظر عن طريقة ظهوره وتمدُّده ومصادر تمويله وقوّته وأهدافه المعلنة والخفيّة، فقدّ شكّل «داعش» ظاهرةً ستتناقلُها الأجيالُ المقبلة، وسيكتب التاريخ الكثير عنها، بعدما عبَرت هذه الموجةُ التكفيريةُ الشرق، زارعةً الخرابَ والدمارَ ومسبِّبة الأذى لجميع الناس من مختلف الطوائف والمذاهب.

أثبَتَت التجاربُ أنّ الإرهابَ ضرَب الجميع في المنطقة ووصَلت شظاياه الى الغرب، لكنّ مسيحيّي الشرق كانوا أكثرَ المتضرّرين من تمدّده، وذلك لعوامل عدّة أبرزها أنهم أقلّ ديموغرافياً، ولا يستطيعون الصّمود في وجه جيشٍ منظَّم ومدرَّب لا يرحم أحداً، كما أنّ النقطة الأهم هي أنهم لا يملكون بقعةً جغرافية يتحصّنون فيها ولها مدى حيويّ مثل مسيحيّي لبنان، بل إنهم منتشرون في كل المناطق العراقية والسورية، وهم بالتالي أقلّية مغلوب على أمرها.

وفي هذه الأثناء، يستعدّ مسيحيّو الموصل ونينوى وبقيّة مناطق العراق للاحتفال بعيد الميلاد المجيد في قراهم بعدما عاد قسمٌ منهم إليها بعد إنتهاء وجود «داعش» العسكري. ويكشف أكثر من مسؤولٍ روحيّ أنّ العودة بدأت تتحقّق، وهناك مسيحيون لا يتركون أرضَهم على رغم الصعوبات التي تُواجههم والأحداث التي مرّوا بها، لكنّ الخسارة أنّ هناك قسماً كبيراً منهم هاجَر الى الغرب بعدما فقدَ الأملَ بالعودة، في وقتٍ شكّل لبنان بلدَ العبور للرحيل والهجرة نحو أوروبا وأوستراليا وكندا وأميركا.

والجدير ذكره أنّ موجة تهجير المسيحيّين العراقيين بدأت منذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين في نيسان 2003 وارتفعت وتيرتُها مع التفجيرات الإرهابيّة التي نفّذها تنظيم «القاعدة» في مناطقهم حيث اتّضح وجود مخطّط للقضاء على وجودهم وجعل العراق خالياً منهم.

لا ينطبق ما حصل في العراق على مسيحيّي سوريا، لأنّ «داعش» لم تتمدَّد الى مناطقهم واقتصر إرهابها على مناطق الحسكة والرقة ودير الزور، لكن، ومع بداية الأزمة السوريّة في 15 آذار 2011 هاجَر عددٌ كبير منهم الى الغرب نظراً لتردّي الأوضاع وحال الحرب التي عاشتها البلاد، وهؤلاء من الصعب عودتُهم الى بلادهم.

لم تمرّ «داعش» في لبنان، واقتصر تأثيرُها على بلدات القاع ورأس بعلبك، وقد أعطى وجودُها في جرود تلك البلدات مفعولاً عكسياً، حيث تمسَّك الأهالي أكثر في البقاء في أرضهم بدلاً من هجرتها، وبالتالي نجا لبنان بأكمله من مخططاتهم بفعل وجود الجيش.

وفي حين ما زالت الأراضي المقدّسة تعيش تحت وطأة الإعتراف الأميركي بالقدس عاصمةً لدولة إسرائيل، وهجرة المسيحيّين من الأرض التي عاش فيها السيّد المسيح، يبقى الخوفُ مسيطراً على أقباط مصر وهم يُحيون عيدَ الميلاد، وقد دفعوا فاتورة دمٍ غالية في أسبوع الآلام الماضي، كما أنّ «داعش» التي هُزِمت في العراق وسوريا، تكثّف نشاطاتِها في مصر ولا تميّز بين مسلم ومسيحي، وقد ظهر هذا الأمر جلياً من خلال تفجيرها مسجداً في سيناء.

من هنا، سيعيّد مسيحيّو الشرق الميلاد بلا «داعش» باستثناء الخوف من خلاياها، خصوصاً في مصر، لكنّ التحدّي الأكبر هو مرحلة ما بعد إنهاء وجودها العسكري. ويؤكد القيّمون على الكنائس الشرقية أنّ العاملَ النفسي ما زال ضاغطاً، فالمسيحي يعيش هاجسَ أنه سيُهاجَم مجدّداً وتحت مسمّيات عدة، أمس ظهر «داعش»، غداً قد يظهر تنظيمٌ أكثر تشدداً، في حين أنّ الأنظمة الحاكمة لم تستطع حماية شعوبها.

وبالنسبة الى المرحلة المقبلة، يفتقد الجميع الى خطة لتثبيت المسيحيين في الشرق، فلبنان البلد الذي يتمتع أبناؤه فيه بحقوقهم، ولديهم في السلطة مراكز عليا أبرزها رئيس الجمهورية، قائد الجيش، حاكم مصرف لبنان، إضافة الى نصف الحكومة والنواب والإدارة، يهاجر مسيحيّوه، فكيف الحال بالنسبة الى مسيحيّي الشرق الذين يعيشون من دون غطاءٍ سياسيّ ومظلّةٍ دولية تحميهم ولا يملكون أبسط مقوّمات الصمود؟

من هنا، يأمل جميع المسيحيّين أن يشكّل ميلادُ هذه السنة مناسبةً لتضعَ القيادات المشرقيّة خطّة تحافظ على ما تبقّى من وجودٍ مسيحيّ يؤمّن التنوّع ويحافظ على الإنسان المشرقي.