كل الطرق توصل إلى الإنفجار الكبير، إلى المطحنة. ثمة موعد مع الإنهيار وليس هناك من يريد أن يلغيه من صفحة المواعيد. كأن السلطة الحاكمة تقود البلد إلى هذا الموعد. ألم يقل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إننا ذاهبون إلى جهنم؟
كان بإمكان هذه السلطة أن توقف التدهور منذ ما قبل ثورة 17 تشرين. منذ مؤتمر “سيدر” في نيسان 2018 كانت المؤشرات واضحة وكانت خريطة الطريق المطلوب تنفيذها للخروج من الأزمة واضحة. ولكن هذه السلطة تجاهلت عملية الإنقاذ وأرادت أن تتمسك بما تبقى لها من سلطة حتى لو كان على حساب البلد وحتى لو كان الثمن سقوط الدولة والمؤسسات والنظام. ليس لسبب إلا لأن وقف الإنهيار لا يتطلب إلا حكومة خارج سلطة السلطة. حكومة لا تنفذ انقلاباً عسكرياً أو سياسياً بل عملية إنقاذ.
هذه الحكومة أصبحت خارج المبادرات والبحث وكأن المطلوب أن ينهار كل شيء. رئيس الجمهورية معزول داخل القصر وكأن رئاسة الجمهورية لم تعد مسؤولية وقسم يمين للحفاظ على الدستور بل مجرد إقامة في القصر وتأمين انتقال الرئاسة إلى الوزير جبران باسيل صهر الرئيس، وعلى قاعدة ما يقوله دولة الرئيس إيلي الفرزلي “جبران باسيل أو الفوضى”.
والرئيس المكلف سعد الحريري كأنه استسلم للقدر ونفض يديه من مسألة التأليف. أو كأنه كان يريد أن يحجز لنفسه هذا الموقع وكفى. يسافر ويجول في محطات كثيرة ولكن ثمة زيارة لا يمكنه أن يقوم بها. وهو لا يريد أن يغادر ولا يمكنه أن يؤلف. لا يتنازل ولا يعتذر. وحتى لو اعتذر فإن الأزمة ستصير أكبر وأكثر تعقيداً. فالحكومة التي يمكن أن تنقذ كان يجب أن تولد بعد انتخابات 6 أيار 2018 لا أن تنتظر انتخابات أيار 2022.
كل ذلك يحصل بينما يقترب موعد الإنهيار. توقعات كثيرة التقت على أن يكون آخر أيار موعد هذا الإنهيار. لا يمكن العيش في ظل التفلت الحاصل. كأن الدولة لم تعد موجودة. لا في الإقتصاد ولا في السياسة ولا في الأمن. ثمة انهيار للمؤسسات تجلّت صورته في المنحى الذي ذهبت إليه القاضية غادة عون وفي الصراع داخل الجسم القضائي. هذا الفراغ ينتقل أيضاً إلى المجلس الدستوري. على مدى أشهر ما بعد ثورة 17 تشرين، وما بعد انفجار مرفأ بيروت، ازدادت سرعة التوجه نحو الإنهيار. مع رفع الدعم ومع دولار يتخطى الـ15 ألف ليرة لا يمكن أن تكون هناك دورة حياة. كل النظم الإجتماعية ستنهار. المؤسسات الرسمية لا توجد فيها قرطاسية. لن تكون هناك كهرباء. لن يكون هناك بنزين ومازوت بأسعار قابلة للشراء وكذلك الدواء ومعظم المواد الإستهلاكية المطلوبة لتستمر الحياة بأدنى مقوماتها. الناس لا يستطيعون انتظار موعد مع الوهم. موعد مع تشكيل حكومة لا يمكن أن تتشكل ولا يمكن أن تكون حكومة إنقاذ. ثمة مشهد مرعب للإنفجار إذا حصل. يتحدثون عنه وكأنه آت غداً ولا يتبصرون في خطورته. ثمة مطحنة آتية. مطحنة ليس فيها طحين وليس فيها ماء. تسقط الدولة ويجوع الشعب وتعم الفوضى ولكن أهم من كل ذلك تلك الصلاحيات. وعندما يبدأ العرض لا بد من أن تطفأ الأنوار.