ناولَ الخبّاز علبة بلاستيكية فيها «محمّرة» وطلب أن يمدّها ويفلشها وينقشها وأن يقمّرها في فرن «بلاطته بتشوي الحديد» على قول موسى زغيب لغريمه عبد الجليل وهبه قبل نصف قرن. أخبر الخبّاز وهو يقوم بالمهمة الموكلة إليه، أنه يفضل «المحمّرة» مع الجبنة وأردف: بس أنا صايم. حدجْتُه بنظرة فاحصة. الحجم خزانة بدرفتين. العمر تحت الثلاثين بقليل. الإبتسامة: بلهاء.علامات فارقة: تاتو على زنده المفتول. ترددت في القول «أنا أحب الجبنة مع المحمرة في كل أيام السنة» لربما لم يعجبه تعليقي، إذّاك ستكون علقة.
في انتظار خروج مناقيشه الحمر من جهنمها أخبر صاحبنا الخبّاز أنه صائم عن اللحوم والدجاج والأسماك ومناقيش الزعتر والكشك والشوكولا والبوظة والنيسكافيه والحلويات والعرق والويسكي و»آل كول» الكرام، وصائم عن البياض و»الصَفَار» وعن الأركيلة و…وابتسم تاركاً لمعلّم حسنين أن يستنتج ما وراء تلك الإبتسامة الغبية.
غيره لا يبتسم للرغيف السخن. يربّح ربّه «جميلة». يصبح خلقه ضيّقاً جداً في فترة الصيام.»اتركني ما طايق حالي بعد ما شربت قهوتي» ثم يصمت متوقعاً منك أن تسأله لماذا؟ كي يخبرك أنه صائم.
وتصادف نماذج بشرية تفلت على رفوف السوبرماركت قبل المرفع كي «تقش» الكعك الصيامي من المخابز، والخبز الصيامي، وتستولي على أطباق المحشي قاطع المبرّد، وكبة اللقطين «المفرّزة» والمتوافر من حليب الصويا وحليب جوز الهند والزبدة النباتية ودبس الخرّوب وما إليها من منتجات توضع في خانة «قهر» الجسد.
هناك أنواع كثيرة من الصيامات في لبنان وأهمها:
• الصيام السياسي المترافق مع إطفاء المحركات.
• الصوم (أو الصيام) الإستعراضي.
• الصوم النوعي، كأن يستبدل الصائم فيه لحم الضأن بأسماك السلمون المستوردة مباشرة من النروج. وبيض الدجاج ببيض الفري، والكافيار الروسي بالكافيار الإيراني والشوكولا البلجيكي بالـ «مارون غلاسيه» الوطني.
• الصوم ضمن دوام الصوم. الساعة 12 تماماً، هجوم على البرّاد وعلى ما فيه من حلال وحرام.
• الصوم العلني.
• الصوم الإرتدادي.
• الصوم غير المنضبط.
• الصوم عن الشوكولا (وتُستثنى منه شرحات الـ»بوصفير» المجففة والمغطّسة بالشوكولا السائل. آخ يا قلبي).
• الصوم الغربي.
• الصوم الشرقي.
• الصوم التشاركي الموارنة مع الروم الأرثوذكس، الروم مع الأقباط واللاتين ومع السنة ومع اليهود ومع الشيعة ومع الهندوس
• الصوم الإحتجاجي.
• الصوم الصارم.
• الصوم عن «شهيّات القُبل».
• الصوم الإضطراري، وهذا الصوم عابر للطوائف وقد يمتد من شهر إلى شهرين وحتى ثلاثة أعوام. فبمليوني ليرة شهرية ماذا يسعك أخي المواطن أن تفعل غير الصيام؟