العصي الغليظة ما تزال في دواليب تأليف الحكومة ولا طروحات جديدة
«القوات» تسعى لوجود قوي و«التيار» يعمل على «قصقصة» أظافرها وتحجيمها
ما من بصيص أمل يوحي بأن المشهد الحكومي قابل على متغيرات قريبة تؤدي إلى تأليف الحكومة وانتظام الوضع السياسي، لا بل العكس هو الصحيح، حيث أن السلوك السياسي الذي يرافق الحراك الخجول لتأمين ولادة الحكومة ما زال يُشكّل عقبة قوية تحول دون إتمام هذه العملية، لا بل انه بدأ يبعث على الاستغراب والريبة، إذ كيف يتعرّض لبنان إلى التهويل والتهديد والحملات الإسرائيلية غير المسبوقة، فيما أهل السياسة يتمترسون وراء مطالبهم ويرفضون تقديم أي تنازلات من شأنها إعادة الوضع السياسي على الطريق الصحيح.
فالجنون ما زال يركب العقلين عند «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، فـ«القوات» تسعى لدخول قوي إلى الحكومة العتيدة، و«التيار» يرفض الخضوع لحكومة تكون «القوات» فيها قوية، ويسعى إلى قصقصة أظافر «القوات» وتحجيمها إلى الحد الأبعد، وبالمقابل فإن معراب تشعر بأنها تتعرض لعملية إلغاء سياسي شبيهة بحرب الإلغاء العسكرية.
وفي هذا السياق فإن مصادر سياسية متابعة ترى ان «التيار الوطني الحر» يسعى إلى محاولة إدارة الشارع المسيحي في المرحلة المقبلة عبر تقوية نفسه على المدى البعيد وقطع الطريق على كل المؤثرات التي يُمكن ان تمنعه من تحقيق ذلك، وكيف ما جاءت يده على «القوات» ضرباً سيقوم به وقد يكون هذا سبباً جوهرياً في تأخير تأليف الحكومة.
وفي تقدير هذه المصادر ان الرئيس ميشال عون يشعر ان هناك حملة منظمة عليه من قِبل الثلاثي الرئيس سعد الحريري، ووليد جنبلاط، وسمير جعجع لتفشيل عهده وهو إزاء ذلك يعتبر نفسه بأنه يقوم بمحاولة الدفاع عن النفس معطياً لنفسه المبرر للقيام بأي عمل لتفشيل هذا السيناريو، ومن بين ذلك ان يكون ممنوعاً على النائب جنبلاط ان يتمثل بأكثر من وزيرين تحت أي ظرف من الظروف، وبالنسبة لـ«القوات» فهو يسعى لأن تتمثل بثلاثة وزراء، وقد يقبل ان يكونوا أربعة شرط ان لا يكون من ضمنهم نائب رئيس ويوجد من بينهم وزير دولة، وقد يكون من هذا المنطلق طرح رئيس الجمهورية حكومة الأكثرية لابتزاز الطرف الآخر سياسياً، والأهم إقصاء جنبلاط و«القوات» عن هذه الحكومة.
وترى المصادر ان الرئيس عون راهن في طرحه على ان تمشي معه القوى السياسية التي يعتبرها ضمن الخط، لكن وجد نفسه يعزف وحيداً على وتر حكومة أكثرية لأنه ليس هناك أي فريق سياسي من حلفائه واعوانه وحتى خصومه يقبلون بهذا الطرح، لأنه في تقديرهم يدفع البلد إلى مشكلة كبيرة ويعتبرون ان مثل هذه الحكومة يعني عزل واقصاء نصف المسيحيين تقريباً، وكذلك اقصاء الطائفة الدرزية بالكامل.
وتوازياً مع هذا الواقع السياسي غير الصحي تبرز تطورات لبنانية وإقليمية متسارعة، فعلى المستوى الاقتصادي البلد في حالة انهيار فعلي، وثانياً فالبلد يتعرّض لأكبر عملية ضغط إسرائيلية لن يكون آخرها إثارة مسألة الصواريخ وقد يفتح ذلك الباب على احتمالات كثيرة. هذا الأمر في تقدير المصادر يتطلب بالدرجة الأولى صحوة سياسية ونزول جميع الأطراف دون استثناء عن شجرة الغرور الذي يأكل رؤوس كبار السياسيين، لكن مع الأسف ورغم خطورة الوضع الاقتصادي ونواقيس الخطر التي تدق حوله من الداخل والخارج لم يُبادر هؤلاء السياسيون إلى تحمل ولو جزء بسيط من المسؤولية الوطنية التي تحتم عليهم الهرولة سريعاً نحو تحصين الداخل وحقنه بالمناعة التي تجعله قادراً على مواجهة أي رياح عاتية، لكن العقلية المتحكمة بهذه الرؤوس تنبئ بأن الواقع الحكومي في لبنان مؤجل أو بالأحرى معطّل عن سابق تُصوّر وتصميم إلى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً، وما على اللبنانيين في هذه الحالة سوى ان يحترفوا مهنة شد الأعصاب لعل ما هو آتٍ عليهم يمر مروراً سلساً دون ان يكون له أية تبعات أو ارتدادات أو تداعيات.
وتؤكد المصادر على ان ما يُحكى عن مروحة اتصالات ومشاورات ستحصل في الأيام القليلة المقبلة يشكل خطوة مهمة على طريق إعادة المشهد الحكومي إلى واجهة الاهتمام بعد انكفاء دام لأسابيع، الا ان ذلك يجب ان يكون مدعماً بأفكار وطروحات جدية وجديدة والا ستعود هذه الاتصالات وتصطدم بالحائط المسدود، فأي نوع جديد من الاتصالات يحتاج إلى أفكار وطروحات تؤدي إلى تواضع البعض والقبول بما يعرض وعدم وضع عصي غليظة في الدواليب والأهم سحب البحص من الطريق ولكن حتى هذه اللحظة لا يوجد المكان الذي تستورد منه الإرادة الجدية بالتأليف.
وتعتبر المصادر ان المواجهة الحاصلة بين لبنان وإسرائيل على المستوى السياسي والدبلوماسي تفرض على أهل الحكم الإسراع في تشكيل الحكومة لتحصين البيت الداخلي، وإن كانت لا ترى في التهويل الإسرائيلي أي مخاطر جدية على لبنان، لا بل ان ما يعلن يومياً على لسان المسؤولين الإسرائيليين يبين مدى غباء وعجز إسرائيل، فمن يريد القيام بأية حرب لا يقوم بالتهويل، فما هو حاصل اليوم ليس تهويلاً اسرائيلياً على لبنان بقدر ما هو اشتباك روسي- إسرائيلي قاعدته تزويد روسيا سوريا بصواريخ S300 التي ستمنع تل أبيب بالتأكيد الانكفاء من أجواء سوريا والقيام بالعدوان ساعة تشاء.