خمس سنوات على “الربيع العربي” غيّرت جذرياً المشهد السياسي العام في المنطقة وقلبت موازين القوى تماماً لمصلحة دولة إسرائيل. فإلى الفائدة الإسرائيلية من الدمار الكبير الذي لحق بدول المنطقة، يمكن أيضاَ رؤية الخسارة التي لحقت بالفلسطينين جراء التراجع الكبير الذي تعانيه قضيتهم مما يهدّد بضياع تاريخ طويل من الدماء والتضحيات.
الفلسطينيون اليوم خسروا اهتمام العرب بقضيتهم، وفقدوا اهتمام دول العالم بنضالهم ضد الاحتلال باستثناء أصوات قليلة من هنا وهناك تنادي بمقاطعة التعامل مع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية. لكن الاهم ان التسوية السلمية لم تعد مطروحة على جدول الأعمال الأميركي في السنة الأخيرة من ولاية باراك أوباما الذي سيغادر البيت الأبيض من غير ان يحقق الرؤيا التي تبناها لدى توليّه منصبه أي حل دولتين لشعبين.
اليوم تخلت حكومة اليمين الإسرائيلي برئاسة نتنياهو تخلياً كاملاً عن حل الدولتين بحجة ان الظروف الحالية في المنطقة لا تسمح باي انسحاب إسرائيلي جديد من الضفة الغربية، لأن ذلك سيفتح الباب واسعاً أمام الارهاب الجهادي الإسلامي، وسيؤدي الى انهيار السلطة الفلسطينية بزعامة أبو مازن ونشوء حماستان جديدة في مدن الضفة.
وليس اليمين الإسرائيلي وحده من تخلى عن فكرة الدولتين، فالمعارضة الإسرائيلية أيضاً بزعامة حزب العمل باتت ترى أنه من الصعب تحقيق هذا الحل في ظل الظروف الراهنة، وأن الحل الأفضل في رأي زعيم الحزب إسحق هرتسوغ هو تطبيق خطة تحقق المزيد من الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين من خلال تخلي إسرائيل عن المناطق الفلسطينية الكثيفة سكانياً، وضم كتل المستوطنات اليها، من غير توضيح أي مستقبل سياسي سيكون في انتظار الفلسطينيين في ما بعد.
تستغل إسرائيل انشغال دول العالم بمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، كي تسجل على الأرض المزيد من الوقائع المنتهية التي تجعل من المستحيل قيام كيان فلسطيني مستقل مستقبلاً، وذلك من خلال توسيع المستوطنات اليهودية، وتفكيك أوصال الضفة الغربية، واضعاف السلطة الفلسطينية، والتهويل على الجمهور الإسرائيلي بأن حركة “حماس” في صدد التحضير لجولة عسكرية جديدة، واستغلال الهبة الفلسطينية من أجل ترهيب اليهود من الخطر الجهادي. كل ذلك كي تبرهن لدول العالم أن المشكلة الفلسطينية لا تكمن في جوهر الاحتلال الإسرائيلي، بل في الهزات التي زعزعت الشرق الأوسط، والارهاب الجهادي.
الفلسطينيون وقضيتهم اليوم امام خطر من نوع جديد هو الاهمال الدولي والفوضى العارمة التي تسود العالم العربي، والتهميش الإسرائيلي. فهل تكون هبة الشباب الفلسطيني خطوة نحو عملية استنهاض فلسطينية شاملة قبل فوات الأوان؟