IMLebanon

هبة «المليار يورو»: هل سيُترك ميقاتي في المواجهة وحيداً؟!

 

 

فرضت عملية «إسقاط» الهبة الاوروبية البالغة مليار يورو أولويتها على الساحة الداخلية، وتقدّمت على ملفات مختلفة بما فيها تردّدات النزوح السوري الأمنية والاجتماعية والوضع المتفجّر جنوباً. وشكّل تبرؤ رئيس مجلس النواب نبيه بري منها بإعلانه انّها «لم تُناقَش معه، لا من قريب ولا من بعيد»، أولى المؤشرات إلى احتمال ترك رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحيداً في المواجهة المنتظرة في الجلسة التشريعية المخصّصة لها الأربعاء المقبل. ولذلك طُرح السؤال عمّا تحمله الأيام الفاصلة عنها؟

قبل الدخول في عدد من الجوانب المحيطة بالهبة الاوروبية والظروف التي قادت إليها وما يمكن ان يكون مصيرها، لا بدّ من الإشارة الى حجم الغموض الذي يحوط بهذا الحدث الذي يفتقر حتى اللحظة الى القدرة على التوصيف الدقيق له. ذلك انّه يمكن إدراجه تحت اكثر من عنوان، إلى درجة يمكن نزع صفة «الهبة» عنه في انتظار مزيد من التوضيحات التي قد تكون مطلوبة من أكثر من جهة. ولذلك لن تقف الامور عند التوصيف اللبناني، بعدما أُدرجت القضية بمختلف جوانبها على لائحة المناكفات بين اللبنانيين، مع احتمال تحمّلها مختلف الأوصاف، غير تلك التي نالتها حتى اليوم، بما فيها نوعيات الصفقات التي تعرّف عليها اللبنانيون في مثل الحالات التي تعيشها البلاد في ظل فقدان الرئيس، وترك الامور على غاربها أمام مرجعيات لم تتمكن من جمع اللبنانيين من حولها. ولا سيما انّ ما هو مطروح يتصل بقضايا حيوية، بعدما سقطت هيبة السلطات الدستورية ونالت نصيبها من التفكّك، فغابت خدماتها بعدما تفرّغ المسؤولون لنصب المكائد وزرع الأفخاخ المتبادلة.

ليس في ما سبق أي اشارة الى عملية توزيع أدوار، ومعها أي محاولة لتوزيع المسؤوليات الضائعة، بعدما تحولت السلطات متاريس متقابلة منذ فترة طويلة سبقت خلو سدّة الرئاسة من شاغلها قبل 18 شهراً. وإن طُلب الى بعض المراجع السياسية والادارية والدستورية إعطاء رأيها في نوعية هذه الهبة وتحديد الآليات التي تترجمها، فهي تتطلّب توفير مزيد من المعطيات غير المتوافرة حتى اليوم. ففي الشكل لم يتعرّف اللبنانيون بعد على مثل هذه الهبة التي فاجأت رئيسة المفوضية الأوروبية السيدة أورسولا فوندرلاين اللبنانيين بها، في أجواء احتفالية بعدما تلاقت اوساط مختلفة لبنانية ومن الاتحاد الاوروبي وقبرص، على الحديث عن حزمة مساعدات مالية للبنان لقاء إعادة النظر في آلية التعاطي مع «الهجرة غير الشرعية».

وعليه، وأمام فقدان كثير من التفاصيل، لم تكتمل الصورة. ولذلك راح البعض لإجراء المقارنة مع شكل ومضمون بعض الاتفاقيات والتفاهمات التي عقدها الإتحاد الأوروبي مع مصر في 17 آذار الماضي، وادّت الى منحها مساعدات بـ7 مليارات ونصف مليار دولار للسنوات الاربع المقبلة، ومن قبلها تلك التي أُبرمت مع كل من تونس وموريتانيا وقبلها جميعاً مع تركيا التي أعادت تنظيم هجرة النازحين السوريين وقلّصت برامج الترحيل المنظّم في اتجاه الدول الأوروبية الواقعة شمال حوض البحر المتوسط، فاستفادت من برامج عدة أُغدقت فيها المليارات.

وما كان لافتاً ان ظهرت هذه المقارنة باطلة، فليس هناك اي وجه شبه بين ما تعيشه تلك الدول والوضع في لبنان، ولا يمكن استنساخ اي من هذه الاتفاقيات، فلبنان يعاني من كثافة النزوح بما لا يتحمّله أي شعب، وتجاوزت نسبة النازحين ثلث عدد سكانه وشكّلوا ثقلاً مالياً واجتماعياً في دولة مفلسة واقتربت مؤسساتها من الانهيار الشامل، عدا عن المخاطر الأمنية المؤجّلة إلى حين، بفعل التدابير التي اتخذتها الاجهزة العسكرية والامنية التي احتفظت بنسبة عالية من جهوزيتها. وليس مضموناً مداها الزمني، بعدما تناسلت الأزمات التي تعيشها الدولة وخزينتها الفارغة، وتقلّصت المساعدات التي نالتها، لكنها أبقتها حتى اللحظة خارج إطار المؤسسات الرسمية المتحلّلة التي فقدت أسس بقائها لمجرد عجزها عن القيام بها، وقيام المؤسسات الخاصة بأدوارها البديلة بكلفة عالية أرهقت الشعب اللبناني.

على هذه الخلفيات، توقفت المراجع المالية والنقدية عند حاجتها الى مزيد من المعلومات عن نوعية هذه الهبة وطريقة التصرّف بها، على رغم من مجموعة العناوين الكبرى التي أُعطيت لها في مجالات الصحة والتربية والتعليم والبنى التحتية. ولما بقيت في دائرة الغموض باستثناء تلك التي تعني الجيش والمؤسسات الامنية والعسكرية التي اعتمدت برامج شفافة للاستفادة من مختلف الهبات الدولية التي تلقّتها حتى اليوم. ولذلك بوشر البحث عن المؤسسات البديلة من المؤسسات الحكومية المشكوك في صدقيتها، وطُرحت الاسئلة حول مصير الاموال التي ستُخصّص للمشاريع التي تستهدفها هذه الهبة، باستثناء تلك التي تُعنى ببرامج «مكافحة الفقر» المعتمدة في وزارة الشؤون الاجتماعية، وبدأت الشكوك تحوم حول مخاطر ان تُصرف عبر بعض المؤسسات الإدارية والإنمائية والاعمارية الفاشلة التي أدارت شؤون البلاد والعباد وصرفت المليارات في غير مجالاتها وأهدافها، ولا سيما منها تلك التي تحمل صفة المجالس المتخصصة التي تسببت بإدارتها لتلك المشاريع بهدر نسبة الثلثين من المال العام، وصبّت في جيوب المنتفعين بدلاً من صرفها على هذه المشاريع.

وإن كُلّفت المراجع القانونية والدستورية البحث عن صفة لهذه الهبة، رأت أنّها في حاجة الى اتفاقيات او تفاهمات إن وجدت، لتحديد طريقة التصرّف ببعض الملايين من المليار المحكي عنه. وطالما انّها ما زالت مفقودة فإنّه لا يمكن ان تنطبق عليها آلية القبول بها قبل تحديد طريقة صرفها. فأي هبة، ولو كانت بقيمة 350 دولاراً كقيمة ذلك المكيّف الذي تلقته قنصلية لبنانية في الولايات المتحدة الاميركية يجب ان تُقبل في مجلس الوزراء قبل تسلّمها، فكيف إن كان الامر يتعلق بعشرات الملايين من الدولارات التي ستُصرف للسنوات الأربع المقبلة.

وإلى هذه الملاحظات التي تناولت الهبة من جوانبها المختلفة، ينبغي التنبّه إلى انّ احالتها الى مجلس النواب في جلسة الأربعاء المقبل قبل توفير الإطار القانوني والإداري والمالي لها، سيشكّل فضيحة في حدّ ذاته، وخصوصاً انّ الدعوة الى هذه الجلسة لم تتحدث عن وجود مشروع اقتراح او مشروع قانون يتحدث عن هذه الهبة، ولم يعلن إن كانت الحكومة التي طلب رئيسها مثل هذه الجلسة قد أعدّ العدّة لطرح يتناولها في شكلها ومضمونها لحصر المناقشات في إطارها.

وبعيداً من كل هذه الملاحظات يبقى انّ الخطر يكمن في وجود نية بنقل موضوع الهبة الى ساحة النزاع السياسي من دون أفق يحدّد مقوماتها ويوضح الهدف منها، لتتحوّل مادة نقاش تزيد من الإستغلال السياسي لها، وسط مؤشرات عدة تدلّ الى انّ رئيس الحكومة قد يكون ضحيتها، بعدما تُرك وحيداً منذ اليوم، فهو عندما طلب تدخّل رئيس مجلس النواب لم يكن يتوقع ان يتبرأ منها في اليوم التالي للدعوة إليها، نافضاً يده من هبة لم يتحدث احد معه في شأنها لا رئيسة المفوضية الاوروبية ولا الرئيس القبرصي، وهنا يكمن «بيت القصيد»، في انتظار ما يمكن ان تحمله الايام المقبلة من فصول غريبة عجيبة تشبه ما قالت به هذه الهبة والدوافع التي قادت إليها، كما بالنسبة الى الهدف منها.