بعد أكثر من ثلاثين عاماً من التصحّر، ها هي سماء العلاقة العونية – القواتية تمطر بعض الرذاذ.. قد لا يروي عطش المتحمّسين لضبط سقف الخلافات بين أبناء البيئة الواحدة الى حدود المصالح المشتركة، لكنّه بلا شك قد يعيد إحياء بذور الأمل.
مجرد بناء جسر من التفاهم، ولو عمومي، بين الفريقين، تعبّر عنه ورقة النيّات، يعني أنّ حبل التواصل بين الرابية ومعراب صار محميّاً بأسس متينة وصلبة، حتّى لو سرَتْ المياه عكس ما تشتهيه السفن، أو حتى لو أراد أحد القبطانين فرملة الاندفاعة.
نجح ابراهيم كنعان وملحم رياشي في حماية مشاوراتهما الماراتونية التي تطلبت جلسات وجلسات ثنائية، تنقّح الفاصلة والنقطة قبل بلورة الورقة بشكلها النهائي، وتمكّنا من جمع قائدَيْهما وجهاً لوجه في كادر واحد.
هنا الصورة لا تقل أهمية عن المضمون. بالنسبة للرأي العام كان يفترض بهذا التواصل الإيجابي أن يكون هو الممسك بالعلاقة منذ ثلاثين عاماً، لا أن تترك للعنف السياسي والتعنيف العسكري.
كثر اعتقدوا أنّ شيطان التفاصيل تمكّن من نحر جهود الرجلَين، ورماها في سلّة التاريخ. لكنهما أصرّا على مقاومة كل العراقيل ليتوّجا مشاوراتهما بلقاء يجمع العماد ميشال عون بالدكتور سمير جعجع ويعلنا ورقة النيات.
عملياً، لم تأتِ الورقة بأكثر مما كان متوقعاً منها. في مسألتي رئاسة الجمهورية وقانون الانتخاب، وهما الأكثر أهمية ولفتاً للانتباه بالنسبة للرأي المسيحي، بقيت الصياغات عمومية. فدعت الى انتخاب رئيس قوي في موقعه، والى وضع قانون انتخاب يراعي المناصفة الفعلية.
أما الجلسة فجالت على كل العناوين التي تهمّ الفريقين: الحرب السورية، «داعش» وأخواتها، «حزب الله»، انتخابات الرئاسة، استحقاق قيادة الجيش، قانون الانتخابات… والأهم من ذلك، كانت مناسبة لتأكيد الضيف والمضيف على إقفال صفحة الماضي بكل عوراتها وفتح صفحة جديدة للمستقبل تستظلّ ورقة النيات، وكل ارتدادات هذا التحوّل في العلاقة على أداء الفريقين.
بالنتيجة، لا تعني الورقة أنّ «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية» باتا في خندق تفاهم مشترك. لا بل هما رسما طريقاً قد يكون أحد تفرعاته مشتركاً، في حال تمّ التفاهم عليها. وغداً، سيبدأ كنعان ورياشي جولة جديدة من المفاوضات، بعد أن يتفرّغ مَن حولهما لـ «تقريش» حسابات الجولة الأولى: مَن هو الرابح منها ومَن هو الخاسر؟
وكان جعجع زار، أمس، وفجأة، مقرّ العماد عون في الرابية، لا سيما وأنه كان من المفترض أن تحصل الزيارة اليوم الأربعاء، بعد إجراء الترتيبات الأمنية اللازمة.
وقد تضمّن الإعلان المشترك النقاط الآتية: «التزام نهج الحوار، تأكيد الإيمان بلبنان كوطن نهائي سيّد حرّ مستقل وبصيغة العيش المشترك، اعتماد المبادئ السيادية في مقاربة المواضيع التي هي على ارتباط وثيق بالقضايا الإقليمية والدولية، الالتزام بمرتكزات وثيقة الوفاق الوطني».
ودعا إلى التأكيد على أن «وثيقة الوفاق الوطني قد طبقت منذ إقرارها وخلال عهد الوصاية وحتى اليوم بشكل معتور، مما يوجب تصويب المسار من خلال العودة إلى مرتكزات الميثاق الوطني واحكام الدستور المتعلقة بالمناصفة الفعلية وصحة التمثيل النيابي الفعال والشراكة الصحيحة بين مكونات المجتمع اللبناني كافة بما يحفظ قواعد العيش المشترك، وترجمة ذلك في قانون انتخاب يؤمن القواعد المشار إليها أعلاه وفي انتخاب رئيس للجمهورية قويّ ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكوّنات الأخرى والإيفاء بقسَمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الفعلية الميثاقية والمصلحة الوطنية العليا».
وطالب بـ «العمل على تعزيز مؤسسات الدولة وتشجيع ثقافة الاحتكام الى القانون، دعم الجيش، ضرورة التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان ويحترم القانون الدولي وذلك بنسج علاقات تعاون وصداقة مع جميع الدول ولا سيما العربية، وكذلك اعتبار إسرائيل دولة عدوة، والتمسك بحق الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم ورفض التوطين واعتماد حل الدولتين ومبادرة بيروت 2002».
وأكد «الحرص على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية السورية بالاتجاهين، وعدم السماح بإقامة منطقة عازلة في لبنان وباستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين، ويبقى الحق في التضامن الانساني والتعبير السياسي والإعلامي مكفولاً تحت سقف الدستور والقانون والمصلحة الوطنية العليا، واحترام قرارات الشرعية الدولية كافة والالتزام بمواثيق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية».
وشدّد على «العمل على تنفيذ القرارات السابقة التي تم الاتفاق عليها في طاولة الحوار الوطني، إيجاد حل لمشكلة النزوح السوري، ضرورة إقرار قانون جديد للانتخابات يراعي المناصفة الفعلية وصحة التمثيل بما يحفظ قواعد العيش المشترك، اعتماد اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة».
ودعا الى «الالتزام بأحكام الدستور المتعلقة بالمالية العامة وبأحكام قانون المحاسبة العمومية التي تحدد موازنة الدولة وشموليتها وأصول ومهل إعدادها وتقديمها إلى المجلس النيابي وكذلك إعداد الحسابات المالية وتدقيقها وتصديقها وفقاً للأصول، وكذلك الالتزام بضرورة تحديد سقف للاقتراض لا يمكن تجاوزه الا بإجازة جديدة من المجلس النيابي».
واكد على «العمل المشترك من أجل إقرار قانون استعادة الجنسية وقانون تملك الأجانب».
وعقب اللقاء وتلاوة اعلان النيات من قبل كنعان والرياشي، أعرب جعجع عن سروره لزيارة الرابية، فقال: «كنت أقول للجنرال يا ليت حصل هذا الاجتماع قبل 30 سنة، ولكن الأفضل أن يأتي اللقاء متأخّراً من ألا يحصل أبداً».
وهذا بحاجة لاستجماع القوى»، مشيراً الى ان «اجتماعنا اليوم بداية حوارنا وليس نهايته بعد تحضيرات لأشهر إثر سنوات عجاف واجواء ملبّدة والآن سيبدأ العمل الحقيقي».
وشدد جعجع على «أننا سنضع كل جهدنا كي لا تفشل المحاولة، واي موضوع يمكن ان نختلف عليه سنضعه جانباً ثم نكمل البحث، واتفقنا على تشريع الضرورة بقانونَي الانتخاب واستعادة الجنسية».
واعتبر ان «مبادرة عون بما يتعلق بجانب استطلاع الرأي او الاستفتاء لا مانع لديّ بها، ولكن شرط أن يحصل كل شيء تحت سقف الدستور اللبناني، واعتقد أن نتيجة الاستفتاء واضحة من الآن ولا أحد يجهل مَن هما أقوى حزبين لدى المسيحيين في لبنان».
من جهته، أكد عون أن «الاستفتاء، إن حصل، سيكون ضمن الآليات التي لا تمس بالدستور»، وقال: «الديموقراطية مع الشعب أشرف وأوسع أنواع الديموقراطية، ولا يمكننا تكرار كل ما قاله الحكيم لكننا نؤيده».
*النص الحرفي لإعلان النوايا بين “التيار” و”القوات”