مشروع «زيادة تغذية بيروت الكبرى بالمياه»، بما فيه سد بسري وتأمين مياه من بحيرة القرعون ونبع عين الزرقا وينابيع جزين، قام على دراسات تمّت بطلب من مجلس الإنماء والإعمار بالتعاون مع البنك الدولي، وتبيّن أن قسماً كبيراً منها مغلوط ومنقوص ومتناقض، أو وُضع غبّ الطلب.
من العيوب «القاتلة» للمشروع والمسبّبة لفشله، ما يتعلّق بالناحية الهيدرولوجية ونوعيّة المياه، ومع ذلك لم يتمّ إدراجها من قبل الوزراء المعنيين في جدول الجلسات الحواريّة التي عُقدت في السراي الحكومي، أول من أمس، وتلك التي ستعقد اليوم. إذ في الواقع، لا كميات كافية من المياه في نهر بسري لتبرير تشييد السدّ بمواصفاته المطروحة (سعة بحيرته 125 مليون م3) بهدف خدمة مناطق مثل بيروت الكبرى، أي خارج مساره الطبيعي (ضمن جزين والشوف والإقليم وصيدا). وذلك نظراً إلى التغيّر المناخي ونتائجه من احتباس حراري وجفاف مُبكر، وتأثيره في تدفق المياه الى النهر خلال السنوات الثلاثين السابقة. إذ تبيّن أن تأمين الكمية المطلوبة جرى خلال عامين من أصل كلّ 10 أعوام. علماً أن مقاربة تعبئة هكذا نوع من السدود تكون سنوية، ولا تسمح بتخزين فائض سعة البحيرة الى العام اللاحق في حال توفّره.
وتأكيداً على انخفاض المياه الوافدة الى نهر بسري، صدر في تشرين الأول 2018 مستندٌ رسمي عن البنك الدولي خفّض بموجبه كميات المياه الوافدة الى نهر بسري/ الأولي، لتصبح بالحد الأدنى 60 مليون مكعّب في السنة، أي أن سعة بحيرة السدّ لن تتعدّى 45 مليون متر مكعب (الفارق يبقى لتأمين ديمومة نهر الأولي)، مما يعني أنّه لا جدوى من تنفيذ مشروع السدّ، ولن تبقى كمية صافية من المياه يمكن جرّها لصالح بيروت الكبرى، بعد حسم كميات التسرّب الطبيعي والتبخّر الحالي والتخزين الإلزامي الدائم، والفروقات من جراء انخفاض حجم التخزين بسبب الردميات والتلوّثات، والكميّات المطلوبة لتغذية صيدا وجزين وإقليم الخروب. ومن دون احتساب التسربات الإضافية المحتملة أو تزايد التبخّر نسبةً لارتفاع حرارة الأرض مستقبلاً (وفق دراسة BGR ووزارة البيئة عام 2013).
صدور هكذا مستند رسمي عن البنك الدولي، من دون تخفيض موازٍ للمساحة السطحية للبحيرة، أو إلغاء المشروع برمّته، يُشكل إثباتاً لبطلان المراسيم الأساسية المتعلّقة بالإستملاكات وقبول القروض وسواها، خصوصاً أن معظمها قام على أساس مشروع سد سعته تصل إلى 130 مليون متر مكعب، إضافة إلى إنتاج طاقة كهرمائية قدرها 12 ميغاوات (لتعويض خسائر مصلحة الليطاني في إنتاج الكهرباء)، غير أنّ إنتاج هذه الكمية يحتاج أقلّه لنحو 3.9 م3/ ثانية من المياه المتدفقة الدائمة، أي ما مجموعه 120 – 125 مليون م3 سنويّاً… وهي كميّة لن تتوفّر في كل سنة، باحتساب جداول مصلحة الليطاني، مما يجعل إنتاج الطاقة الدائمة مستحيلاً.
من شبه المستحيل تأمين أيّ كمية مياه من بحيرة القرعون لبيروت الكبرى
مما سبق، يمكن القول إن من شبه المستحيل تأمين أيّ كمية مياه من بحيرة القرعون لبيروت الكبرى، لعدم توفّر الكمية المطلوبة (50 مليون م3 / السنة)، في ظلّ الحاجة إليها لتنفيذ مشاريع مصلحة مياه الليطاني طالما أن المياه الوافدة إلى البحيرة لم تتعدَّ 400 مليون م3 / السنة، أو نظراً لتلوثها وتطلّب معالجتها عشرات السنين للوصول إلى حلول لتنقيتها وبكلفة تتعدّى 100 دولار لكل متر مكعب من المياه. أضف أنه يستحيل معالجة السيانوبكتيريا عبر تشغيل محطة الوردانيّة لتكرير المياه المُبتذلة والصرف الصحي أو معالجة الوحول الناتجة عن هذه العملية، مهما كانت التقنيات المعتمدة.
إضافة إلى كلّ ما تقدّم، استندت إدارة البنك الدولي، لجرّ مياه القرعون وعين الزرقا الى بيروت الكبرى، الى المرسوم 14522/1970 في حين أن مضمونه يؤكّد العكس، لا سيّما أنه صدر قرار عن مجلس الوزراء (الرقم 41/91 تاريخ 20/03/1991) الذي صدّق على محتوى المرسوم. والخلاصة أن مشروع سدّ بسري محكوم بالفشل والمطلوب التراجع عنه ودراسة البدائل الصديقة للإنسان والبيئة، بدل عقد الجلسات الحواريّة.
* أخصائي جودة، متحدّث باسم لجنة أهالي وسكان مرج بسري