المعادلة التي يطرحها «حزب الله» أمام اللبنانيين في هذه الأيام لا تحتمل التأويل: إما الانصياع إلى مراده وكلامه وخياراته السياسية والميدانية، من رئاسة الجمهورية إلى عرسال، وإما «التعايش» مع فرضية الفتنة (المشتعلة).. التي لا بد منها!
عَبَر ذلك الحزب في مطبّات كثيرة، لكنه آثر دائماً الابتعاد عن خيار الفتنة المفتوحة أو المشتعلة تبعاً لحسابات عنده، كثيرة ومتشعبة ولا يستطيع الرائي من بعيد، أن يراها في مجملها، أو بوضوح كافٍ.. وإذا حصل ورأى بعضها، وقع في حيص بيص، باعتبار أن الشروط البنائية لتلك الفتنة كانت (ولا تزال) جزءاً مكيناً من عدة شغل ذلك الحزب في السياسة والميدان والإعلام. ولم يترك منها شرطاً واحداً يعتب عليه، وصولاً إلى تظهير نتيجة عامة، فعلية وافتعالية، وهي: انه حزب مذهبي خالص، قاتل وحارب بكل الطرق، على مدى السنوات العشر الماضيات، قوى الاعتدال السنّية، قبل ان يدّعي اليوم قتاله ما يسميها «القوى التكفيرية» السنية!
.. ومع ذلك، كانت حساباته تمنعه من الذهاب إلى آخر الشوط الفتنوي، بحيث إنه كان يقف دائماً قبل الخط الأخير بخطوات، ويشتغل على طريقة رقّاص الساعة: تارة تصعيد تخويني لا حدود او سقوف له، وتارة حوار ينخرط فيه تحت شعار «تنفيس الاحتقان المذهبي»ّ. لكن رقّاص الساعة عنده تعطّل على ما يبدو تحت وطأة الزلازل التي تضرب البنيان الانتشاري الذي يدّعي قادة إيران امتلاك السلطة والسطوة فيه، من اليمن إلى سوريا مروراً بالعراق وصولاً إلى لبنان وحوافيه!
والواضح راهناً، انه، وهو الذي لا يتورّع عن فعل أي شيء في سوريا لمحاولة انقاذ بقايا سلطة الأسد، وصل إلى خلاصة تضعه أمام خيارين أمرّ من بعضهما بعضاً. الأول إعلان انسحابه «التام» من سوريا، وبالتالي انكساره فيها، وهذا ما لا ينسجم مع «الانتصارية» المستدامة في أدائه وخطابه وصورته. والثاني، انسحابه «الجزئي» من الداخل السوري إلى التخوم المحاذية للحدود اللبنانية. وبذلك يحقق هدفين كبيرين: الأول، يوحي بأنه لم يُهزم. والثاني أنه يدعّم ويعزز مواقعه لإبقاء خط التواصل مفتوحاً مع الشمال السوري، وبما يتناسب مع احتمالات و«توقعات» تقول إن «داعش» «سيتسلم» حمص من سلطة الأسد قريباً!
دون إتمام «الانتصار» في الخيار الثاني الخاص بالانكفاء إلى الحدود و«تأمينها»، هناك عرسال وجرودها.. وطالما أن أحداً لن يغطي جريمة المسّ بالبلدة وأهلها، فإن «حزب الله» اتخذ قراره بتنكّب تلك «المسؤولية» مباشرة، حتى لو وصل الأمر (وسيصل!) إلى إشعال النار في الفتنة المذهبية الباردة! وهو في ذلك، على أي حال، سيصل إلى المكان الذي شق الطريق إليه، بيديه وسلاحه وسياساته وإعلامه وعلى مدى سنوات وسنوات!
.. وأكثر ما يخيف، ويفتح مجسّات القلق على مداها، هو ان «حزب الله» كان ولا يزال يعرف تماماً ماذا يفعل. ويعرف الآن، ان الفتنة المشتعلة في لبنان هي تتمة تلك المشتعلة في خارجه، وهو يقدم عليها بشهية وانشراح، طالما أنها، على ما «تبلّغنا» مباشرة في الآونة الاخيرة، هي الطريق الوحيدة إلى صفّين!