تواجه الحكومة والقوى السياسية الحاضنة لها تحدّي الاستفادة من الوقت القليل المتبقّي أمامها لنزع فتيل الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، قبل أن تنفجر براميل البارود ويقع المحظور. ولكن، هل شروط كسب هذا التحدّي متوافرة؟
اعتاد الأفرقاء السياسيون أن يُلقي كل منهم مسؤولية إخفاقات السلطة على الآخر، لاسيما في ظلّ حكومات الوحدة الوطنية التي كان يضيع فيها «الشنكاش» ويتعطل القرار، احياناً كثيرة، بفعل صعوبة التوفيق بين المصالح المتضاربة لمكوناتها.
لكن، ومع تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، تغيّرت قواعد اللعبة نسبياً، إذ انّها خلت من حضور الفريق الذي كان مصنّفاً في خانة 14 آذار، فيما منحها تحالف 8 آذار و»التيار الوطني الحر» الثقة النيابية والمظلّة السياسية.
وعليه، فإنّ اللون الواحد الذي تعكسه الحكومة، والانسجام المفترض بين أعضائها التكنوقراط، وضعاها أمام اختبار إثبات قدرتها على الإنجاز ورفع منسوب الإنتاجية الى أعلى المستويات الممكنة. كذلك، بدا فريق «التيار الحر» و8 آذار في مواجهة اختبار يتعلّق به تحديداً، وهو تقديم نموذج إيجابي للحكم، كونه غطاء الحكومة وصاحب التمثيل السياسي الوحيد فيها، ولو مواربة عبر وزراء تكنوقراط.
الّا انّ الحسابات المتفاوتة والمتعارضة بين مكونات الفريق الاستراتيجي الواحد، ارخت بظلالها على مجلس الوزراء، الأمر الذي انعكس سلباً على فعاليته وانتاجيته في مرحلة لم تعد تتحمّل اي هدر للوقت والفرص.
ويُنقل عن احد الوزراء، اسفه لكون الطعنات في ظهر الحكومة او بعض الوزراء تأتي من داخل البيت السياسي الواحد ومن شخصيات مصنّفة على المستوى الاستراتيجي، بأنّها منسجمة مع لون الحكومة، «في حين انّ خصوماً لنا هم اقل لؤماً ويبادرون احياناً الى الاتصال بهذا الوزير او ذاك لشكره على تدبير او موقف اتخذه، من باب العرفان بالجميل بمعزل عن نياتهم المضمرة».
ويلفت الوزير المتذمّر، الى انّ المطلوب من جميع أعضاء الحكومة التقيّد بمقتضيات التضامن الوزاري، «مع تأكيد حقّهم في ابداء آرائهم داخل مجلس الوزراء والاستشراس في الدفاع عنها، انما عندما يصدر القرار ينبغي أن يتقيّد الجميع به ويدافعوا عنه، حتى وإن كان مخالفاً لقناعاتهم الأصلية، ولو تطلب منهم الأمر أن يقولوا انّ لون اللبن هو اسود، مراعاة للانسجام الوزاري وللتماسك الحكومي».
ويبدي خيبة امله لكون التجربة أظهرت انّ بعض الوزراء التكنوقراط ليسوا مستقلين حقاً، «بل يتأثرون بقوى سياسية تحدّد لهم سقف مواقفهم، وبالتالي فإنّ القرار ببقاء هؤلاء الوزراء او استقالتهم هو في حوزة تلك القوى».
وعلى صعيد آخر، يكشف الوزير انّ زميلاً له في الحكومة تعرّض الى تهديدات وضغوط، لانّه بادر الى فتح عدد من ملفات الفساد في وزارته، وهو يشعر بأنّ الخطر سيصبح أكبر اذا أصرّ على التغلغل في كهوف تلك الملفات وتفكيك ما تحويه من مافيات فساد.
وإلى جانب اعترافات هذا الوزير، يُقرّ مسؤول رسمي في مجلس خاص بأنّه اضطر الى ان يشتري بضع مئات من الدولار من السوق السوداء لتأمين احتياجات ابنه المقيم في الخارج، مشيراً الى أنّه لا يستطيع أن يقف متفرجاً ازاء حاجة ابنه الملحّة الى هذا المبلغ شهرياً لتأمين مستلزمات ضرورية وحيوية للعيش في الغربة.
ويوضح المسؤول إيّاه، انّه فضّل الشراء من السوق السوداء على مشهد الاذلال أمام محلات الصيرفة، التي كان يصطف الناس على أبوابها في طوابير طويلة للحصول على 200 دولار (قبل أن يتمّ الغاء هذا الإجراء)
ويضيف بمرارة: «لم يكن أمراً سهلا بالنسبة إليّ أن ألجأ مكرهاً الى خدمات السوق السوداء تحت ضغط الضرورة القصوى، فيما الحكومة تحاربها والاجهزة الامنية تلاحق صرافيها غير المرخصين».
ويعتبر انّ الحل لأزمة الدولار ليس أمنياً او قضائياً بل هو اقتصادي مالي بالدرجة الأولى، مستبعداً ان يتمّ القضاء على السوق السوداء التي «كلما قطعت غصناً منها نبتت مكانه اغصان. وكلما أوقفت صرافاً غير شرعي على رصيفها نبت مكانه صرافون، إضافة إلى أنّ التهريب الى سوريا مستمر كالهوفر وليس من السهل ضبطه»، مبدياً عدم اقتناعه بالجدوى من ضخ بضع ملايين من الدولار يومياً، «لأنّها اقل بكثير من ان تلبّي متطلبات السوق، وبالتالي هي ستذهب هباء منثوراً مع استمرار نشاط السوق السوداء والتهريب الى الداخل السوري».
ويخشى المسؤول نفسه من ان يفلت الدولار من السيطرة، ما دام التدابير لا تعالج حتى الآن اسباب ارتفاعه وإنما نتائجه، «الأمر الذي قد يؤدي في لحظة ما إلى انفجار اجتماعي من شأنه ان يفضي بدوره الى تداعيات أمنية»، لافتاً الى انّ الأمن الاستباقي لا يمكن أن ينجح بأكثر من نسبة 70 بالمئة، خصوصاً في مواجهة القنابل الاجتماعية الموقوتة، «ما يعني انّ احتمالات الخطر تبقى ضمن معدل 30 بالمئة، وهذه نسبة غير قليلة بالمقاييس الأمنية».