IMLebanon

وحصل الانفجار!

بصرف النظر عن أرقام وأعداد العائلات المهاجرة بطريقة غير شرعية الى أوروبا، عبر ما اصطلح على تسميته «قوارب الموت»، إلّا أنّ ما يجدر البحث فيه حقيقة الأمر، أسباب ودوافع هذه الظاهرة المتكرِّرة، وصولاً الى معرفة تداعيات استمرار هذا الوضع على التركيبة اللبنانية، في حال التعمية عليه، وعدم التفكير جدّياً في معالجته.

كلّ ما يتم الحديث عنه اليوم في ما يخصّ هذه القضية هو: أعداد المهاجرين، التكلفة المالية، طريقة الخروج من لبنان، والمسار العام لـ»رحلة الموت» الأوروبية.

علماً أنّ هذه الكارثة الانسانية والاجتماعية ليست الأولى من نوعها، فمَن ينسى جريمة غرق العبارة الأندونيسية منذ عامين، والتي كانت بمثابة جرس إنذار حقيقيّ، كشف الواقع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي الذي يعيشه أبناء عكار. وعلى رغم سقوط عشرات الضحايا الأبرياء في حينها، لم يُكشف حتى اليوم عن ملابسات هذه الحادثة، ونتائج تحقيقاتها، بل على العكس طُمست معالمها!

لكن ما يجب الالتفات اليه، وما يجب على اللبنانيين إدراكه، أنّ أكثر من 90 في المئة من العائلات المهاجرة هي من مناطق الشمال، وتحديداً من عكار والضنّية والمنية وطرابلس. ووفق كلّ المعطيات والمعلومات المتوافرة، فإنّ الغالبيّة الساحقة من تلك الأسر هي من أبناء الطائفة السنّية!

ذلك هو التوصيف الدقيق للقضية، وما عدا ذلك كلام حقّ يُراد به باطل!

وفي حال استمرّ الوضع على ما هو عليه، بمعنى بقاء الفلتان الأمني، وعدم شعور بعض المواطنين بالمساواة مع أقرانهم في مختلف الحقوق والواجبات، وإحساسهم المستمرّ بأنّ كرامتهم مُهانة، وبأنّ مجرّد إعلانهم موقفاً سياسياً أو دينياً يشكّل تهمة قد يلاحَقون عليها بموجب «وثائق اتصال» أو «وثائق اخضاع»، هذا فضلاً عن اعتقادهم الراسخ بأنّ أبناء بعض الطوائف الأخرى يتمتّعون بكلّ أنواع الحصانة مهما بلغت تعدّياتهم أو مخالفاتهم، وأحياناً أخرى جرائمهم، إضافةً الى ما يعانونه من فقر مُدقِع، وبطالة، وفقدان أيّ أمل بمستقبل أفضل، كلّ هذه الأسباب ستؤدّي لا محالة الى انفجار اجتماعي يصعب حصره والتصدي له. وها نحن أصبحنا في قلبه.

ما يحصل اليوم، ومن دون الخوض في التفاصيل والجزئيات، يُعيد الى الأذهان ما حصل مع المسيحيين في أواخر القرن الماضي، حين لجأوا الى الهجرة بسبب الاضطهاد السياسي الذي مورس في حقهم إبان عهد الوصاية السورية.

المشهد يتكرّر اليوم مع سنّة لبنان، إنما في ظلّ عوامل أقسى وأصعب! أولى الخطوات الواجب اتخاذها تكمن باعتراف كلّ الطبقة السياسية بالمشكلة التي فاقت كلّ التوقعات والتقديرات، وبأنّ الوحدة الوطنية والتضامن والتكافل الاجتماعي، يفرض عليهم إذا ما أرادوا الحفاظ على عقد اللبنانيين الاجتماعي، ايجاد الحلول السريعة لمعالجة الوضع الاقتصادي والانمائي الصعب الذي تعيشه تلك المناطق وأهلها، وأن يتمّ تقديم مشاريعها الإنمائية ووضعها على سلّم الأولويات، ولو جاء ذلك على حساب بعض المدن والقرى اللبنانية الأخرى.

ومن ثمّ اعتراف بعض الفئات اللبنانية – فيما لو صدقت النوايا – بأنّ ما انتهجته من سياسة داخلية وخارجية، سيتسبّب بكارثة وطنية، وسيزيد من حدّة التوتر الطائفيّ والمذهبيّ، وبالتالي اتخاذ القرار التاريخي في العودة الى كنف الدولة، وتكريس المساواة بين جميع اللبنانيين

بإخضاعهم لسلطة القانون وهيبة العدالة.

أما الخطوة الأهمّ، فيجب أن تصدر عن «دار الفتوى» عبر مبادرة يقوم بها مفتي الجمهورية الشيخ محمد عبد اللطيف دريان، بالدعوة فوراً الى خلوة موسّعة تضمّ رؤساء الحكومات، وزراء ونواب الطائفة السنّية، وأعضاء المجلس الاسلامي الشرعي الأعلى، ورجال أعمال واقتصاديين، وعلماء ومشايخ، وإعلاميين، لوضع تصوّر عام للمشكلة من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والدينية والتربوية، وطرق معالجتها بشكل عملانيّ فوريّ من دون تلكّؤ أو تباطؤ.

إنّ استمرار عملية «الترانسفير» بهذه الطريقة المتصاعدة، ستغيّر بطبيعة الحال ديموغرافية هذا البلد، باعتبار أنّ مَن نجح في الوصول الى أوروبا في هذه الظروف، يصعب تصوّر عودته الى لبنان في القريب العاجل، مع ما يستتبع ذلك من نتائج على أيّ استحقاق دستوريّ، سيغيّر في طبيعة الحال التوازنات السياسية القائمة.

لذا، ثمّة تساؤل مشروع عن إمكانية تعمّد بعض الأطراف السياسية، بفعل ممارساتها اليومية العبثية، على إيصال سنّة لبنان الى درجة الكفر بواقعهم وبوطنهم ومستقبله، ليصبح الحديث عن عقد مؤتمر تأسيسي أمراً واقعياً لا بل ومنطقياً!