تزامن وصول مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون مكافحة الارهاب مارشال بيلنغسلي الى بيروت مع الاجواء الايجابية التي تلفح الاتصالات بشأن تشكيل الحكومة طرحت سلسلة من الاسئلة المرتبطة بكيفية تعامل الادارة الاميركية مع المرحلة المقبلة على الساحة اللبنانية سواء «ولدت» الحكومة بتركيبتها السياسية المرتقبة حيث لحزب الله وحلفائه حصة «وازنة» فيها، او «تعثر» الامر لاسباب «قاهرة»… لكن الاجواء المحيطة بزيارات المسؤولين الاميركيين المتتالية تشير الى اتجاه واضح للتشدد في التعامل مع «المسألة» اللبنانية بعدما عهد هذا الملف لمستشار الامن القومي جون بولتون الذي يتبنى سياسة «متهورة» دون «سقوف» في مواجهة الحزب والتضييق عليه «ماليا» و«امنيا» «وسياسيا» دون استبعاد «عسكرة» الموقف «اذا اقتضى الامر ذلك»، من خلال «العصا» الاسرائيلية «الغليظة»… لكن البارز خلال الساعات القليلة الماضية وصول فريق امني اميركي الى بيروت دون معرفة المهمة المكلف بها، بالتزامن مع تصدر «الاستراتيجية الدفاعية» جدول الاعمال الاميركي وتحولها الى «خارطة طريق» يرى الاميركيون ان الدولة اللبنانية ملزمة بتنفيذها دون «مراوغة»…
ووفقا لاوساط وزارية بارزة، لم يتوان الاميركيون عن ارسال «الاشارات « المتتالية عن طبيعة الاستراتيجية التي سيعملون على تنفيذها لمواكبة الانسحاب العسكري المفترض من سوريا، حيث يعمل مجلس الامن القومي الاميركي على وضع الخطط اللازمة لمنع ايران وحزب الله والنظام السوري من الاستفادة من هذا التحول «الدراماتيكي» الذي فرضه الرئيس دونالد ترامب على الجميع، واذا كانت «الهوامش» المتاحة امام جون بولتون مفتوحة لتنفيذ اجندته ودون «سقوف»، فان وزارة الدفاع الاميركية نجحت في تحييد المؤسسة العسكرية عن اي تاثيرات سلبية محتملة للتصعيد الاميركي، وكان قائد المنطقة الوسطى جوزف فوتيل حريصا في زيارته الاخيرة الى بيروت على تاكيد استمرار الدعم للجيش اللبناني، وفق «رزنامة» التعاون المقررة سلفا، وذلك على الرغم من الضغوط الاسرائيلية «الهائلة» لثني الادارة الاميركية عن موقفها، في ظل قناعة «راسخة» في تل ابيب، بان الاستثمار الاميركي في المؤسسة العسكرية اللبنانية لن يؤدي الى تغيير الوقائع على المديين القصير او المتوسط كما تأمل القيادة العسكرية الاميركية، لان الاعتقاد الراسخ لدى القيادة الاسرائيلية يفيد بعدم القدرة على وقف «التعاون» الضمني القائم بين الجيش وحزب الله.
ووفقا لتلك الاوساط، زاد اهتمام الادارة الاميركية بملف «الاستراتيجية الدفاعية»، وبات فجأة اولوية بالنسبة لها،وذلك ربطا بالاطلالة الاعلامية الاخيرة للامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي اطلق سلسلة من المعادلات «الهجومية» «والدفاعية» المثيرة للقلق بالنسبة للاسرائيليين الذين فعّلوا اتصالاتهم «الساخنة» مع الجانب الاميركي والفرنسي على حد سواء، «للتحريض» على حزب الله، والدفع باتجاه زيادة الضغوط على الدولة اللبنانية لتحميلها مسؤولية اي «نزاع» مسلح مرتقب، باعتبارها تقف «مكتوفة اليدين» امام ما تعتبره تل ابيب احتكار حزب الله للقرار العسكري والسياسي في لبنان، وقد سمع المسؤولين اللبنانيين كلاما «عالي النبرة» من الجانبين الاميركي والفرنسي ،حمل تهويلا، ووعيدا باحتمال انزلاق التطورات الى حدود شديدة الخطورة، في ظل قناعة اسرائيلية راسخة بضرورة التحرك «لكسر» المعادلات القائمة، بعدما تجاوز، السيد نصرالله، برأيهم، «الخطوط الحمراء»…
وفي هذا السياق، تفيد المعلومات بان الوفود الاميركية السياسية، والعسكرية، والمالية التي توالى وصولها الى بيروت، واكبها وصول وفد امني رفيع المستوى من الاستخبارات الاميركية، ضم خبراء في مكافحة «الارهاب»، وضباط متخصصين بالاستخبارات العسكرية، وذلك للدلالة على جدية التحرك الاميركي في هذه المرحلة، وفيما لم يعرف طبيعة مهمة هؤلاء، فان مجرد ارسالهم يحمل الكثير من «الدلالات» خصوصا ان الادارة الاميركية مهتمة بطمأنة حلفائها بان مغادرتها سوريا لا يعني تخليها عن مصالحها في المنطقة، ولكن سيكون الحفاظ عليها بوسائل اخرى وطريقة مختلفة…
ووفقا لتلك الاوساط، سمع عدد من المسؤولين اللبنانيين، ومنهم رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري خلال زيارته الى باريس، التي تواكب التصعيد الاميركي، سمعوا كلاما وضحا حول ضرورة البدء ببحث جدي في الاستراتيجية الدفاعية لتقييد حرية عمل حزب الله وتضييق هامش حريته العسكرية والامنية من خلال قرارات جادة تعيد امرة السلاح الى الدولة اللبنانية حصرا، وكان واضحا من خلال ما سمعه الرئيس ميشال عون من الوفد الاميركي الذي زاره بالامس، بان واشنطن لن تقبل بان يكون «النقاش» مفتوحا الى ما نهاية، وستكون «العيون مفتوحة» هذه المرة على النتائج التي ستخضع للتقويم.. «وسيبنى على الشيء مقتضاه»… لان انتقال حزب الله من «الدفاع» الى «الهجوم» في اي مواجهة مستقبلية مع اسرائيل سيعني تحولا «استراتيجيا» لا يمكن القبول به بأي شكل من الاشكال، وهذا سيؤدي الى انهيار كافة «الخطوط الحمراء» التي يتفق عليه جميع الاطراف ضمنيا..
وعلم في هذا الاطار، ان واشنطن معنية بالحصول على اجوبة حيال انسحاب حزب الله من سوريا،بعدما فشلت الاتصالات مع موسكو في تحديد جدول زمني لربط الانسحاب الاميركي بانسحاب ايران ومن يدور في فلكها… وكذلك كان ثمة حرص شديد على ضرورة منع الحزب من الاستفادة «سياسيا» من «هالة» نجاح النظام السوري في تجاوز مخاطر «السقوط»، وقد حملت الوفود الاميركية الى بيروت «رسائل» واضحة لمن اسمتهم حلفاء حزب الله بانهم لن يكونوا بمنأى عن العقوبات الاقتصادية والمالية، مطالبة اياهم بالابتعاد عنه لان الادارة الجديدة التي استلمت الملف اتخذت قرارا واضحا «بعزل» حزب الله عن محيطه، وتجريده من «موارده» المالية، لان الوقت قد حان بنظر بولتون وفريق عمله بان يدفع الحزب «ثمن» احباط الاستراتيجيات الاميركية في اليمن والعراق، وسوريا، وقبلها على الساحة اللبنانية.
وامام هذه المعطيات، تشير اوساط مقربة من حزب الله الى ان الحزب «يتفهم» حالة الغضب الاميركي الذي خسر مشروعه في المنطقة، وهو يدرك خطورة المرحلة التي يحاول فيها الاميركيين تخفيف وقع «الخسائر» من خلال محاولة تدفيع «اعدائهم» ثمن «خيباتهم»، ولكن الاحداث والتطورات قد اثبتت ان «القضاء» «والقدر» الاميركي ليس حتميا، وما تقوم به واشنطن تكرارا لسياسات سبق وجربتها ولم تحصد من ورائها سوى «الخيبة»، فهي لن تحصل على استراتيجية دفاعية «مفصلة» على مصالحها ومصالح الاسرائيليين، وقواعد هذه الاستراتيجية حدد ملامحها السيد نصرالله وهي لن تخرج عن هذا الاطار، وما لم يأخذه الاميركيون في زمن «الاحتلال» لن يأخذوه في زمن «الانسحاب» والهزيمة في سوريا، وبالتالي لن يحصلوا على «جوائز ترضية» في لبنان، اما التهديد «المالي» فهو ليس جديدا، ويمكن التعامل معه وتقليل اضراره، والحد من تأثيراته، اما التلويح بضربة عسكرية اسرائيلية، فلن يكون «نزهة» كالعادة، ولكن على اسرائيل هذه المرة ان تأخذ بالحسبان ما لم يقله السيد نصرالله في اطلالاته الاخيرة، وليس ما قاله، لان ثمن اي حسابات خاطئة، سيكون هذه المرة مكلفا للغاية..